للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١- قد تكون الدعوة مستجابة دون علم الداعي: فقد مر بنا عند الحديث عن فضائل الدعاء أن ثمرة الدعاء مضمونة إذا أتى الإنسان بأسباب الإجابة، وسلم من موانعها؛ فالداعي لا يخلو من أن يستجاب له دعاؤه فيرى أثره في الدنيا، أو لا يستجاب له لوجود أحد الموانع، فلا يرى أثرًا لدعائه في الدنيا، أو أن يستجاب له ولكن لا يرى أثرًا للإجابة في الدنيا وإنما يؤخر له من الأجر مثل دعوته يوم القيامة، أو أن يستجاب له الدعاء فلا يرى أثرًا للإجابة، ولكن يصرف الله عنه من السوء مثل دعوته وهو لا يعلم (١٦) .

إذا تقرر هذا فكيف يستبطئ الداعي الإجابة طالما أن الثمرة مضمونة؟ ولماذا لا يحسن العبد ظنه بربه ويقول: لعله استجيب لي من حيث لا أعلم؟.

١٢- قد يكون الدعاء ضعيفًا فلا يقاوم البلاء: قال ابن القيم- رحمه الله -: (وله (١٧) مع البلاء ثلاث مقامات:

أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.

الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفًا.

الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه) (١٨) .

١٣- قد يكون الإنسان سد طريق الإجابة بالمعاصي: فلو فتحها بالتقوى لحصل على مراده؛ فكيف يستبطئ الإجابة وقد سد طريقها بالمعاصي؟.

أما علم أن التقوى سبب الراحة، وأنها مفتاح كل خير؟

أما سمع قوله - تعالى -: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ] [التحريم: ٢-٣] ، وقوله - تعالى -: [وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً] [التحريم: ٤] .

أَوَ ما فهم أن العكس بالعكس؟.

١٤- ظهور آثار أسماء الله - تعالى -: فمن أسماء الله - عز وجل - المعطي، المانع، الحكم، العدل، الكريم، العليم، البر، الرحيم، المالك، الحكيم.

وهذه الأسماء تستدعي متعلقات تظهر فيها أحكامها، ومقتضياتها، وآثارها؛ فتأخر الإجابة من أسباب ظهور تلك الآثار، والمقتضيات والأحكام.

فقد يمنع - عز وجل - أحدًا من الناس؛ لحكمته، وعدله، وعلمه.

وقد يعطي برحمته - عز وجل -، وحكمته، وبره، وعلمه.

١٥- تكميل مراتب العبودية للأولياء: فالله - عز وجل - يحب أولياءه، ويريد أن يكمل لهم مراتب العبودية، فيبتليهم بأنواع من البلاء، ومنها تأخر إجابة الدعاء؛ كي يتَرَقَّوا في مدارج الكمال ومراتب العبودية؛ (فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته، وكلما ازداد العبد تحقيقًا للعبودية ازداد كماله، وعلت درجته) . (١٩)

فأنفع الأشياء للعبد على الإطلاق طاعته لربه بظاهره وباطنه، وأضر الأشياء عليه معصيته لربه بظاهره وباطنه.

فإذا قام بطاعته وعبوديته مخلصًا له - فكل ما يجري عليه مما يكرهه يكون خيرًا له.

وإذا تخلى عن طاعته وعبوديته - فكل ما هو فيه من محبوبٍ شرٌّ له.

فإذا تدبر العبد ذلك تشاغل بما هو أنفع له من حصول ما فاته.

هذا ومن تلك العبوديات التي تحصل من جراء تأخر إجابة الدعاء ما يلي:

أ- انتظار الفرج: فانتظار الفرج من أجل العبوديات وأعظمها، فكلما اشتد انتظار الفرج كلما ازدادت ثقة العبد بربه، فيزداد بذلك قربًا من الله، وأُنْسًا به -عز وجل -.

ولو عجلت له الإجابة لربما فاتته هذه العبودية.

<<  <  ج: ص:  >  >>