للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدليل أنه لولا هذه النازلة لم يُرَ على باب اللجأ والمسكنة؛ فالله - عز وجل - علم من الخلق اشتغالهم بالبشر عنه، فابتلاهم من خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه يستغيثون به.

فهذا من النعم في طي البلاء، وإنما البلاء المحض ما يشغلك عن ربك، وأما ما يقيمك بين يديه - عز وجل - ففيه جمالك، وكمالك، وعزك، وفلاحك.

هـ- التمتع بطول المناجاة: فقد مرَّ بنا عند الحديث عن فضائل الدعاء أن العبد قد يقوم لمناجاة ربه، وإنزال حاجاته ببابه، فيُفتح على قلبه حال السؤال والدعاء من محبة الله، ومعرفته، والخضوع له، والتذلل بين يديه - ما ينسيه حاجته، فيكون ما فتح له من ذلك أحبَّ إليه من قضاء حاجته التي سألها، فيحب أن تدوم له تلك الحال، وتكون عنده آثر من حاجته، ويكون فرحه بها أعظم من فرحه بحاجته لو عجلت له وفاتته تلك الحال.

وعلى هذا فكلما تأخرت الإجابة كلما طالت المناجاة، وحصلت اللذة، وزاد القرب.

ولو عجلت الإجابة لربما فاتت تلك الثمرة.

قال سفيان الثوري- رحمه الله -: (ما أنعم الله على عبد في حاجة أكثر من تَضَرُّعه إليه فيها) (٢٦) .

ومجاهدة الشيطان ومراغمته: فالشيطان عدو مبين للإنسان، يتربص به الدوائر، ويسعى في إضلاله وصدِّه عن صراط الله المستقيم، فإذا صادف منه غرة أصابه من خلالها.

فالعبد إذا دعا ربه، وتأخر وقت الإجابة - بدأ الشيطان يجول في خاطره؛ ليسيء ظنه بربه، وصار يُلقي في رعه أن لا فائدة من دعائه.

فإذا جاهده العبد، وراغمه، وأغاظه بكثرة الدعاء، وإحسان الظن بالله - حصل على أجر عظيم؛ فمجاهدة الشيطان ومراغمته من أجل العبوديات.

ولو لم يأت العبد من تأخر الإجابة إلا هذه الفائدة - لكان حريًا به ألا ينزعج من تأخرها.

هذه بعض الحكم المتلمسة من جراء تأخر الدعاء، والتي يجدر بالعبد أن يستحضرها إذا دعا وتأخرت إجابة الدعاء.

أما بالنسبة للسحر، وكونه بسبب سحر أو نحوه فذلك لا معنى ولا صحة له، فالمدعو هو الله، وإجابة الدعاء بيده وحده - عز وجل -.

أما إبطال السحر فيجوز إذا كان بالرقية الشرعية التي تكون بالآيات القرآنية، والأدعية النبوية.

أما إذا كان بالسحر فلا يجوز.

وأخيراً أوصيك بالصبر، والاحتساب، واللجوء إلى الله، وأكرر عليك مسألة إحسان الظن بالله.


(١) مدارج السالكين ٢/٣٢.
(٢) الكتاب الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز الخليفة الخائف الخاشع لعمر بن محمد الخضر المعروف بالملاء، تحقيق د. محمد صدقي البورنو ٢/٤٣٢-٤٣٣، وانظر سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم ص٩٧.
(٣) برد الأكباد عند فقد الأولاد لابن ناصر الدين الدمشقي ص٣٨.
(٤) ، (٥) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم تحقيق مجدي السيد ص٩٧-٩٨.
(٦) صيد الخاطر ١/١٠٩.
(٧) مدارج السالكين ٢/٢١٥-٢١٦.
(٨) مدارج السالكين ٢/٢١٥.
(٩) المواهب الربانية من الآيات القرآنية للشيخ ابن سعدي، اعتنى بها سمير الماضي ص١٥١.
(١٠) انظر برد الأكباد ص٣٩.
(١١) أخرجه الترمذي (٢٣٩٦) وابن ماجة (٤٠٣١) من حديث أنس، وحسنه الترمذي، والألباني في صحيح الترمذي ٢/٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>