للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[جهاد المماليك البحرية ضد الصليبيين]

لم يبق من الأراضي الإسلامية تحت حكم الصليبيين سوى شريط ساحلي يمتد على محاذاة البحر الأبيض المتوسط من ناحية الشرق، يضيق أو يتسع باختلاف الظروف والأزمنة، وذلك لأن الصليبيين حتى في عنفوان قوتهم، لم يتمكنوا من التوغل في داخل بلاد الشام، فبقيت حلب وحماه وحمص ودمشق بعيدة عن متناولهم١. وبفقدهم المبكر لإمارة الرها ظلوا محاطين بالمسلمين من الشمال والشرق والجنوب، لا يربطهم بأوربا مصدر قوتهم وإمدادهم سوى البحر، واقتصرت أملاكهم في مطلع عهد الدولة المملوكية البحرية على إمارتي طرابلس٢ وأنطاكيا٣، ومدينة عكا٤ التي أضحت مقرا لمملكة بيت المقدس بعد أن استرد المسلمون القدس.

لهذا فبعد أن باءت بالفشل حملة لويس التاسع ملك فرنسا على مصر المسماة بالحملة السابعة، خرج هذا الملك مذموما مدحورا خاسرا، فاشلا في تحقيق أحلامه في استرداد بيت المقدس عن طريق مصر، وغادر دمياط متوجها نحو قبرص، بعد أن فك المماليك أسره، مقابل فدية كبيرة وشروط مذلة.

ولم يلبث أن غادر قبرص متوجها نحو عكا، التي كان حاكمها يوحنا، شقيق ماري، إمبراطورة القسطنطينية، وزوجة الإمبراطور يلدوين الثاني، ومنها أخذ يعمل على تحقيق حلمه الذي لم يفارقه رغم كل النكبات، بل عاش معه حتى مات قي تونس وهو يقود الحملة الصليبية الثامنة عام ٦٦٩ هـ (٢٧٠ ١م) .

استغل هذا الملك فرصة النزاع الذي شب بين المماليك البحرية الذين استولوا على السلطة في مصر، بعد مقتل تورانشاه بن الملك الصالح أيوب وبن بقايا الأيوبيين في الشام،


١ حتي، فيليب، تاريخ العرب: ص ٢٨٩.
٢ مدينة ساحلية حصينة، يحدها من القبلة جبل لبنان، تطل على بحر الروم من ثلاث جهات، وتقع شمالها قلاع الدعوة الإسماعيلية، وشرقها قلعة منيعة من الحجر، استولى عليها الصليبيون سنة ٥٠٣هـ (١١١٠) . المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق مصطفى زيادة، جـ١ قسم ٣ ص: ٧٤٧_٧٤٨. القلقشندي: صبح الأعشى: ٤/١٤٤.
٣ تقع أنطاكية إلى الغرب من حلب، على ساحل البحر المتوسط، لها سور عظيم من الصخر، يمر بظاهرها نهر العاصي، والنهر الأسود مجموعين. (أبو الفداء) إسماعيل بن علي عماد الدين صاحب جمال ت ٧٣٢ هـ- ١٣٣١م تقويم البلدان ص: ٢٥٧، القلقشندي: صبح الأعشى: ٤/ ٢٢٩.
٤ تقع على الساحل الشرقي لبحر الروم، جنوب صور وشمال غرب طبرية، استَولى عليها الصليبيون عام ٤٩٧ هـ (١١٠٤م) واستردها صلاح الدين عام ٥٨٣ هـ (١١٥٧م) ، واستولى عليها الصليبيون مرة أخرى عام ٥٨٧ هـ (١١٩١م) ثم استردها الأشرف خليل القلقشندي، أبو العباس أحمد، (٨٢١ هـ-١٤١٨م) ، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء: ٤/١٥٢، ١٤ جزءا (١٩١٣- ١٩١٩م) انظر: مادة عكا بدائرة المعارف

<<  <   >  >>