للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس: تقديم العقل على النقل]

ومن أسباب الانحراف في هذه الأمة تقديم العقل واعتماده مصدراً تشريعياً أعلى من كلام الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا كحال بعض المنتسبين إلى الإسلام من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من الفرق الضالة الذين تأثروا بكتب اليونان وعلومهم، وتبنوا أكثر أفكارهم، فما وافق العقل عندهم قبلوه، وما خالفه ردوه وطعنوا فيه، فابتعدوا بذلك عن العقيدة الصحيحة، وحادوا عن الصراط المستقيم، ولو أنهم تمسكوا بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلوهما المصدر الوحيد للتلقي، وردوا التنازع إليهما، وسلكوا منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وابتعدوا عن كل ما يخالف المنهج الصحيح، لما حصل لهم ماحصل من التخبط والضلال، ولما وقعت الأمة في الزيغ والانحراف.

ولا يخفى أن العقل نعمة عظيمة أودعها الله في الإنسان ليميز الخير من الشر، والحق من الباطل، ولكنّ للعقول حداً تنتهي في الإدراك إليه، ولم يجعل الله لها سبيلاً إلى إدراك كل شيء، فمن الأشياء مالا يصل العقل إليه بحال، ومنها مايصل إلى ظاهر منه دون اكتناه١ وهي مع هذا القصور الذاتي لا تكاد تتفق في فهم الحقائق التي أمكن لها إدراكها، فإن قوى الإدراك ووسائله تختلف عند النظار اختلافاً كثيراً، ولهذا كان لابد فيما لاسبيل للعقول إلى إدراكه، وفيما تختلف فيه الأنظار من الرجوع إلى مخبر صادق، يضطرُّ العقل أمام معجزته إلى تصديقه، وليس ذلك سوى الرسول المؤيد من عند الله العليم بكل شيء، الخبير بما خلق"٢.


١ اكتنَّ الشيء: استتر، ويقال: اكتنت المرأة: غطت وجهها وسترته حياءً من الناس، انظر المعجم الوسيط، ٢/٨٠١.
٢ انظر البدعة أسبابها ومضارها لشلتوت، ٢٨.

<<  <   >  >>