للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى قصة عاد وثمود، وما أصابهم من العقوبة في الدنيا بطغيانهم وإجرامهم، ذكر هنا ما يصيب الكفار عامةً في الآخرة من العذاب والدمار، ليحصل منه تمام الاعتبار، في الزجر والتحذير عن ارتكاب المعاصي والكفر بنعم الله.

اللغَة: {يُوزَعُونَ} يُحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا {تَسْتَتِرُونَ} تستخفون، من الاستتار بمعنى الاختفاء عن الأعين {أَرْدَاكُمْ} أهلككم وأوقعكم في المهالك {يَسْتَعْتِبُواْ} يطلبوا رضاء الله {المعتبين} جمع معتب وهو المقبول عتابه قال النابغة:

فإِن أكُ مظلوماً فعبدُ ظلمته ... وإنْ تكُ ذا عتبى فمثلك يُعتب

{قَيَّضْنَا} هيأنا {نُزُلاً} ضيافة وكرامةً {يَسْأَمُونَ} يملُّون.

سَبَبَُ النّزول: عن ابن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفرٍ: قريشان وثقفي، قليلٌ فقهُ قلوبهم، كثيرّ شحم بطونهم، فقال أحدهم: أترون أنَّ الله يسمع ما نقول؟ فقال أحدهم: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إن جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ} الآية.

التفسِير: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ الله إِلَى النار} أي واذكر يوم يُجمع أعداء الله المجرمون في أرض المحشر لسوقهم إلى النار {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يُحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا قال ابن كثير: تجمع الزبانية أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا {حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا} أي حتى إذا وقفوا للحساب {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي نطقت جوارحهم وشهدت عليهم بما اقترفوه من إجرامٍ وآثام، وفي الحديث «فيُختم على فيه أي فمه ثم يُقال لجوارحه انطقي، فتنطٌ بأعماله، ثم يُخَّلى بينه وبين الكلام فيقول: بُعداً لكُنَّ وسُحقاً، فعنكنَّ كنت أناضل» {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} أي وقالوا لأعضائهم وجلودهم توبيخاً وتعجباً من هذا الأمر الغريب: لم أقررتم علينا وشهدتم بما فعلنا وإنما كنا نجادل وندافع عنكم؟ {قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} أي قالوا معتذرين: ليس الأمر بيدنا وإِنما أنطقنا الله بقدرته، الذي ينطق الجماد والإِنسان والحيوان، فشهدنا عليكم بما علمتم من القبائح {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي هو أوجدكمم من العدم، وأحياكم بعد أن لم تكونوا شيئاً، فمن قدر على هذا قدر على إنطاقنا {وَإِلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>