للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأعددتُ للحرب أوزارها ... رماحاً طوالاً وخيلاً ذكوراً

{تَعْساً} شقاءً وهلاكاً {آسِنٍ} متغيّر ومنتن {حَمِيماً} حاراً شديد الحرارة {آنِفاً} الآن، من قولهم، استأنف الأمر إِذا ابتدأ به {أَشْرَاطُ} أمارات وعلامات.

التفسِير: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} هذا إِعلان حربٍ من الله تعالى على أعدائه وأعداء دينه والمعنى الذين جحدوا بآيات الله وأعرضوا عن الإسلام، ومنعوا الناس عن الدخول فيه {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي أبطلها وأحبطها وجعلها ضائعة لا ثواب لها لأنها لم تكن لله فبطلت، والمراد أعمالهم الصالحة كإِطعام الطعام، وصلة الأرحام، وقرى الضيف قال الزمخشري: وحقيقة إِضلال الأعمال جعلُها ضالةً ضائعة، ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها كالضالة من الإِبل، التي لا ربَّ لها يحفظها ويعتني بأمرها، والمراد لهم التي عملوها في كفرهم بما كانوا يسمونه «مكارم الأخلاق» ، من صلة الأرحام، وفك الأسارى، وقرى الأضياف، وحفظ الجوار {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي جمعوا بين الإِيمان الصادق، والعمل الصالح {وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} أي صدَّقوا بما أنزل الله على رسوله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تصديقاً جازماً لا يخالجه شك ولا ارتياب وهوعطف خاص على عام، والنكتةُ فيه تعظيم أمره والاعتناء بشأنه، إشارةً إلى أن الإِيمان لا يتمُّ بدونه، ولذا أكَّده بقوله {وَهُوَ الحق مِن رَّبِّهِمْ} أي وهو الثابت المؤكد المقطوع بأنه كلام الله ووحيهُ المنزَّل من عند الله، والجملة اعتراضية لتأكيد السابق {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي أزال ومحا عنهم ما مضى من الذنوب والأوزار {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي أصلح شأنهم وحالهم، في دينهم ودنياهم، ثم بيَّن تعالى سبب ضلال الكفار، واهتداء المؤمنين فقال {ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل} أي ذلك الإِضلال لأعمال الكفار بسبب أنهم سلكوا طريق الضلال، واختباروا الباطل على الحق {وَأَنَّ الذين آمَنُواْ اتبعوا الحق مِن رَّبِّهِمْ} أي وأن المؤمنين سلكوا طريق الهدى، وتمسَّكوا بالحق والإِيمان المنزل من عند الرحمن {كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} أي مثل ذلك البيان الواضح، بيَّن الله أمر كلٍ من الفريقين المؤمنين والكافرين بأوضح بيانٍ وأجلى برهان ليعتبر الناس ويتعظوا. . وبعد إعلان هذه الحرب السافرة على الكافرين أمر تعالى المؤمنين بجهادهم فقال {فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرقاب} أي فإِذا أدركتم الكفار في الحرب فاحصدوهم حصْداً بالسيوف قال في التسهيل: وأصله فاضربوا الرقاب ضرباً ثم حذف الفعل وأقام المصدر مقامه والمراد: اقتلوهم، ولكنْ عبَّر عنه بضرب الرقاب لأنه الغالب في صفة القتل {حتى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الوثاق} أي حتى إِذا هزمتموهم وأكثرتم فيهم القتل والجراحات ولم تبق لهم قوة للمقاومة فأْسروهم وكفُّوا عن قتلهم قال الزمخشري: وفي هذه العبارة {فَضَرْبَ الرقاب} من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة، وهو حزٌّ العنق وإطارة رأس البدن، ولقد زاد في هذه الغلظة في قوله {فاضربوا فَوْقَ الأعناق واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: ١٢] ومعنى {أَثْخَنتُمُوهُمْ} أكثرتم قتلهم وأغلظتموه {

<<  <  ج: ص:  >  >>