للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللغَة: {كَبَدٍ} الكبدُ: الشدة والمشقة، وأصله من كبد الرجل كبداً إِذا وجعته كبده ثم استعمل في كل تعب ومشقة، ومنه المكابدة لمقاساة الشدائد {اقتحم} الاقتحامُ: الدخول بسرعة وشدة يقال: اقتحم الأمر، واقتحم الحصن إِذا رمى نفسه فيه بدون روية {العقبة} الطريق الوعر في الجبل {فَكُّ} الفكُّ تخليص الشيء من الشيء يقال: فككت الحبل، وفككت الأسير أي خلصته من الأسر {مَسْغَبَةٍ} مجاعة يقال: سغبَ الرجل إذا جاع وقال الراغب: هو الجوع مع التعب {مَتْرَبَةٍ} افتقار يقال: تربَ الرجل إِذا افتقر ولصق بالتراب، وأرتب إِذا استغنى وكذلك أثرى {مُّؤْصَدَةٌ} مبطقة من أوصد الباب إِذا أغلقه وأطقبه.

التفسِير: {لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد} هذا قسمٌ، أقسم سبحانه بالبلد الحرام «مكة» التي شرَّفها الله تعالى بالبيت العتيق قبلة أهل الشرق والغرب وجعلها مهبط الرحماتن وإِليها تجبى ثمرات كل شيء، وجعلها حرماً آمناً، وجعل حرمتها منذ خلق السموات والأرض، فلما استجمعت تلك المزايا والفضائل أقسم الله تعالى بها قال في التسهيل: أراد بالبلد «مكة» باتفاق، وأقسم بها تشريفاً لها {وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} أي وأنت يا محمد ساكنٌ ومقيم بمكة بلد الله الأمين قال البيضاوي أقسم بالبلد الحرام وقيَّده بحلوله عليه السلام فيه أي إقامته فيه إظهاراً لمزيد فضله، وإِشعاراً بأن شرف المكان بشرف أهله {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} أي وأُقسم بآدم وذريته الصالحين قال مجاهد: الوالد آدم عليه السلام {وَمَا وَلَدَ} جميع ذريته قال ابن كثير: وما ذهب إِليه مجاهد وأصحابه حسنٌ قوي، لأنه تعالى لما أقسم بأُم القرى وهي المساكن، أقسم بعده بالساكن وهو «آدم» أبو البشر وولده وقال الخازن: أقسم الله تعالى بمكة لشرفها وحرمتها، وبآدم وبالآنبياء والصالحين من ذريته، لأن الكافر وإن كان من ذريته لا حرمة له حتى يقسم به {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ} هذا هو المقسم عليه أي لقد خلقنا الإِنسان في تعب ومشقة، فإنه لا يزال يقاسي أنواع الشدائد، من وقت نفخ الروح فيه إلى حين نزعها منه قال ابن عباس: {فِي كَبَدٍ} أي في مشقة وشدة، من حمله، وولادته، ورضاعه، وفطامه، ومعاشه، وحياته، وموته، وأصل الكبد: الشدة، وقيل: لم يخلق الله خلقاً يكابد ما يكابد ابن آدم، وهو مع ذلك أضعف الخلق قال أبو السعود: والآية تسليةٌ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مما كان يكابده من كفار مكة. . ثم أخبر تعالى عن طبيعة الإِنسان الجاحد بقدرة الله، والمكذب للبعث والنشور فقال {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} أي أيظن هذا الشقي الفاجر، المغتر بقوته، أنَّ الله تعالى لا يقدر عليه لشدته وقوته؟ قال المفسرون: نزلت في «أبي الأشد بن كلدة» كان شديداً مغتراً

<<  <  ج: ص:  >  >>