للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يبلى} أي قال له إبليس اللعين: هل أدلك يا آدم على شجرة من أكل منها خُلّد ولم يمت أصلاً، ونال المُلك الدائم الذي لا يزول أبداً؟ وهذه مكيدة ظاهرها النصيحة ومتى كان اللعين ناصحاً؟ {فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} أي أكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما الله عنها فظهرت لهما عوراتهما قال ابن عباس: عريا عن النور الذي كان الله تعالى قد ألبسهما إياه حتى بدت فروجهما {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} أي شرعا يأخذان من أوراق الجنة ويغطيان بها عوراتهما ليستترا بها {وعصىءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} أي خالف آدم أمر ربه بالأكل من الشجرة فضلَّ عن المطلوب الذي هو الخلود في الجنة حيث اغتر بقول العدوّ قال ابن السعود: وفي وصفه بالعصيان والغِواية - مع صغر زلته - تعظيمٌ لها وزجرٌ بليغ لأولاده عن أمثالها {ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهدى} أي ثم اصطفاه ربه فقرَّبه إليه وقبل توبته وهداه إلى الثبات على التوبة والتمسك بأسباب الطاعة {قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي قال الله لآدم وحواء: إنزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين بعضُ ذريتكما لبعض عدوٌّ بسبب الكسب والمعاش واختلاف الطبائع والرغبات قال الزمخشري: لما كان آدم وحواء أصلي البشر جُعلا كأنهما البشر في أنفسهما فخوطبا مخاطبتهم {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} أي فإن جاءكم من جهتي الكتب والرسل لهدايتكم {فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى} أي فمن تمسَّك بشريعتي واتَّبع رسلي فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة قال ابن عباس: ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن با فيه ألاّ يضلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة وتلا الآية {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} أي ومن أعرض عن أمري وما أنزلته على رسلي من الشرائع والأحكام فإن له في الدنيا معيشة قاسيةً شديدة وإن تنعَّم ظاهره {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} أي ونحشره في الآخرة أعمى البصر قال ابن كثير: من أعرض عن أمر الله وتناساه فإن له حياة ضنكاً في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيِّقٌ حرج لضلالة وإن تنعَّم ظاهره ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه في قلقٍ وحيرة وشك، وقيل: يُضيَّق عليه قبره حتى تختلف أضلاعة فيه {قَالَ رَبِّ لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} أي قال الكافر: يا رب بأي ذنبٍ عاقبتني بالعمى وقد كنت في الدنيا بصيراً؟ {قَالَ كذلك أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكذلك اليوم تنسى} أي قال الله تعالى له: لقد أتتك آياتنا وضحة جلية فتعاميتَ عنها وتركتها، وكذلك تُترك اليوم في العذاب جزاءً وفاقاً {وكذلك نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ} أي ومثل ذلك الجزاء الموافق للخيانة والتكذيب بآيات الله نعاقب من أسرف بالانهماك في الشهوات، ولم يصدّق بكلام ربه وآياته البينات {وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وأبقى} أي عذاب جهنم أشدُّ من عذاب الدنيا لأنَّ عذابها أدوم وأثبت لأنه لا ينقطع ولا ينقضي {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون} أي أفلم يتبيَّن لكفار مكة الذين كذبوك كم أهلكنا قبلهم من الأمم الخالية المكذبين لرسلهم {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} أي يرون مساكن عاد وثمود ويعانون آثار هلاكهم أفلا يتعظون ويعتبرون؟ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النهى} أي إنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>