للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَعْجَبُ مِنْهُ سُكُوتُ شَيْخِنَا عَلَيْهِ فِي حَاشِيَتِهِ مَعَ ظُهُورِ فَسَادِهِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ كَمَا تَقَرَّرَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي الْقِصَاصِ أَصْلًا إذْ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ قِصَاصًا حَالَتَا وُجُوبٍ وَجَوَازٍ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى الْوَلِيِّ فَطَلَبُهُ جَائِزٌ لَهُ لَا وَاجِبٌ مُطْلَقًا أَوْ لِلْإِمَامِ فَإِنْ طَلَبَهُ مِنْهُ الْوَلِيُّ وَجَبَ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ قِصَاصًا وَإِنْ جَازَ أَوْ وَجَبَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ حَدًّا، فَتَأَمَّلْهُ وَأَوَّلُهُ بَعْضُهُمْ بِمَا لَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِ الْبَيْضَاوِيِّ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّ السَّبْرَ قَاضٍ بِأَنَّهُ لَا يَجْزِمُ بِحُكْمٍ عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِهِ مِنْ غَيْرِ عَزْوِهِ لِقَائِلِهِ.

(وَلَا تَسْقُطُ سَائِرُ الْحُدُودِ) الْمُخْتَصَّةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ زِنًا وَسَرِقَةٍ وَشُرْبِ مُسْكِرٍ (بِهَا) أَيْ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الرَّفْعِ وَبَعْدَهُ وَلَوْ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَدَّ مَنْ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ» بَلْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهَا بِهَا بَعْدَ قَتْلِهَا وَأَطَالَ جَمْعٌ فِي الِانْتِصَارِ لِمُقَابِلِهِ بِالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تَرْفَعُ الذُّنُوبَ مِنْ أَصْلِهَا، نَعَمْ تَارِكُ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ حَدُّهُ بِهَا عَلَيْهِمَا وَكَذَا ذِمِّيٌّ زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ وَالْخِلَافُ فِي الظَّاهِرِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَحَيْثُ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ سَقَطَ بِهَا سَائِرُ الْحُدُودِ قَطْعًا وَمَنْ حُدَّ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُعَاقَبْ فِي الْآخِرَةِ عَلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ بَلْ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَتُبْ.

(فَصْلٌ)

فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ (مَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ) فِي النَّفْسِ (وَقَطْعٌ) لِطَرَفٍ قِصَاصًا (وَحَدُّ قَذْفٍ) وَتَعْزِيرٌ لِأَرْبَعَةٍ (وَطَالَبُوهُ) عُزِّرَ وَإِنْ تَأَخَّرَ ثُمَّ (جُلِدَ) لِلْقَذْفِ (ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ) تَقْدِيمًا لِلْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ (وَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ) بِلَا مُهْلَةٍ بَيْنَهُمَا فَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مُطَالِبٌ وَالنَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ (لَا قَطْعُهُ بَعْدَ جَلْدِهِ) فَلَا تَجُوزُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ (إنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلَكُ بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ قَوَدُ النَّفْسِ (وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَالَ عَجِّلُوا الْقَطْعَ) وَأَنَا أُبَادِرُ بَعْدَهُ بِالْقَتْلِ وَخِيفَ مَوْتُهُ بِالْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالْقَطْعِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلَكُ بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ الْقَتْلُ قَوَدًا مَعَ أَنَّ لَهُ مَصْلَحَةً هِيَ سُقُوطُ الْعِقَابِ عَنْهُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَيْضًا فَرُبَّمَا عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ فَتَكُونُ الْمُوَالَاةُ سَبَبًا لِفَوَاتِ النَّفْسِ فَاتَّجَهَ عَدَمُ نَظَرِهِمْ لِرِضَاهُ بِالتَّقْدِيمِ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَخَفْ مَوْتَهُ بِالْمُوَالَاةِ فَيُعَجَّلُ جَزْمًا

ــ

[حاشية الشرواني]

قَوْلُهُ وَأَعْجَبُ مِنْهُ إلَخْ) فِي التَّعْبِيرِ بِأَعْجَبَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا لَا يَلِيقُ نِسْبَتُهُ لِمِثْلِ الْبَيْضَاوِيِّ اهـ سم (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ غَلَبَ فِي قَتْلِ الْقَاطِعِ مَعْنَى الْقِصَاصِ أَوْ مَعْنَى الْحَدِّ (قَوْلُهُ فَإِنَّ السَّبْرَ) أَيْ تَتَبُّعَ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ. .

(قَوْلُ الْمَتْنِ سَائِرُ الْحُدُودِ) أَيْ: بَاقِيهَا اهـ مُغْنِي (قَوْلُهُ الْمُخْتَصَّةُ) إلَى قَوْلِهِ بَلْ عَلَى الْإِصْرَارِ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ وَبَعْدَهُ وَقَوْلُهُ بَلْ مَنْ أَخْبَرَ إلَى نَعَمْ وَإِلَى الْفَصْلِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَكَذَا ذِمِّيٌّ زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ (قَوْلُهُ الْمُخْتَصَّةِ) صِفَةٌ لِلْحُدُودِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الرَّفْعِ) أَيْ: إلَى الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ اهـ وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ وَلَوْ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي أَعَمِّ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ اهـ.

(قَوْلُهُ بَلْ مَنْ إلَخْ) أَيْ: بَلْ حَدَّ امْرَأَةً أُخْبِرَ أَيْ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا لَا يُؤَيِّدُ الْأَظْهَرَ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهِ فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ لَهُ (قَوْلُهُ عَنْهَا بِهَا بَعْدَ قَتْلِهَا) كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الظُّرُوفِ الثَّلَاثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِأَخْبَرَ وَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ لِمَنْ وَالثَّانِي لِلتَّوْبَةِ (قَوْلُهُ لِمُقَابِلِهِ) أَيْ: مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ الْقَائِلِ بِالسُّقُوطِ بِهَا قِيَاسًا عَلَى حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ اهـ مُغْنِي.

(قَوْلُهُ عَلَيْهِمَا) أَيْ: الْأَظْهَرِ وَمُقَابِلِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا ذِمِّيٌّ إلَخْ) وِفَاقًا لِلْمُغْنِي وَخِلَافًا لِلنِّهَايَةِ عِبَارَتُهُ وَلَا يَسْقُطُ بِهَا عَنْ ذِمِّيٍّ بِإِسْلَامِهِ كَمَا مَرَّ اهـ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا ذِمِّيٌّ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ خِلَافُ هَذَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ سم (قَوْلُهُ وَمَنْ حُدَّ فِي الدُّنْيَا إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرُ لَا زَوَاجِرُ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِمَا اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ عَلَى الْإِصْرَارِ إلَخْ) أَوْ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى مُوجِبِهِ اهـ نِهَايَةٌ. .

[فَصْلٌ اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ]

(فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ عَلَى شَخْصٍ)

(قَوْلُهُ فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ فِي الْأَصَحِّ فِي الْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَلَا تَجُوزُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَقَوْلُهُ وَخِيفَ إلَى الْمَتْنِ وَإِلَى الْكِتَابِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَلَا يَجُوزُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى إلَى الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَأَيْت إلَى وَلَوْ اجْتَمَعَ وَقَوْلُهُ وَلَوْ اجْتِمَاعُهُمَا إلَى الْمَتْنِ (قَوْلُهُ فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ) أَيْ: فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَهِيَ إمَّا لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لَهُمَا وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ اهـ مُغْنِي (قَوْلُ الْمَتْنِ مَنْ لَزِمَهُ) لِآدَمِيِّينَ مُحَلَّى وَمُغْنِي.

(قَوْلُهُ لِأَرْبَعَةٍ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَ مَنْ لَزِمَهُ قَالَ الْبُجَيْرَمِيُّ فَلَوْ كَانَتْ لِوَاحِدٍ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ شَرْعًا بَلْ بِإِرَادَتِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ) أَيْ مُوجِبُهُ قَالَ الرَّشِيدِيُّ هُوَ غَايَةٌ فِيمَا بَعْدَهُ أَيْضًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَخِيفَ مَوْتُهُ) سَيَذْكُرُ مُحْتَرَزَهُ (قَوْلُهُ لِرِضَاهُ) أَيْ: مُسْتَحِقِّ قَتْلِهِ بِالتَّقْدِيمِ أَيْ: فِي الزَّمَنِ بِمَعْنَى الْمُوَالَاةِ اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُعَجَّلُ)

ــ

[حاشية ابن قاسم العبادي]

(قَوْلُهُ وَأَعْجَبُ مِنْهُ إلَخْ) فِي التَّعْبِيرِ بِأَعْجَبَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا لَا يَلِيقُ نِسْبَتُهُ لِمِثْلِ الْبَيْضَاوِيِّ (قَوْلُهُ مَعَ ظُهُورِ فَسَادِهِ إلَخْ) أَقُولُ دَعْوَى فَسَادِهِ فَضْلًا عَنْ دَعْوَى ظُهُورِهِ فَاسِدَةٌ فَسَادًا وَاضِحًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي الْقِصَاصِ إلَخْ) قُلْنَا لَمْ يَدَّعِي الْبَيْضَاوِيُّ أَنَّ لَهَا دَخْلًا فِي الْقِصَاصِ بَلْ ادَّعَى أَنَّ لَهَا دَخْلًا فِي صِفَةِ الْقَتْلِ قِصَاصًا وَهِيَ وُجُوبُهُ أَيْ تَحَتُّمُهُ، وَقَوْلُهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ قِصَاصًا إلَخْ قُلْت لَمْ يَدَّعِ أَنَّ لَهُ حَالَتَيْ جَوَازٍ وَوُجُوبٍ بِهَذَا الْقَيْدِ بَلْ ادَّعَى أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَهُ الْحَالَتَانِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ لَهُ الْحَالَتَيْنِ بِذَلِكَ الْقَيْدِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَبِاعْتِبَارِ الْإِمَامِ إذَا طُلِبَ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَخْ كَلَامٌ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ نَفَى النَّظَرَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحَالَتَيْنِ لَهُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ قِصَاصًا، وَقَوْلُهُ فَتَأَمَّلْهُ قُلْنَا تَأَمَّلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ لَمْ يَنْشَأْ إلَّا عَنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ الصَّحِيحِ فَأَعْجَبُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى دَعْوَى ظُهُورِ الْفَسَادِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ الْبَيْضَاوِيِّ وَمُحَشِّيهِ وَالتَّثَبُّتِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَا مَنْشَأَ لَهُ إلَّا الْغَفْلَةُ الْفَاحِشَةُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ سم.

(قَوْلُهُ وَلَوْ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي أَعَمَّ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ وَكَذَا ذِمِّيٌّ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ خِلَافُ هَذَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ.

(فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَقَطْعٌ وَحَدُّ قَذْفٍ وَطَالَبُوهُ جُلِدَ ثُمَّ قُطِعَ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>