للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْأُصُولِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ غَيْرُ شَاهِدَةٍ أَيْ غَيْرُ مَعْلُولَةٍ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ مَعْلُولَةٌ بِكُلِّ وَصْفٍ يُمْكِنُ إلَّا بِمَانِعٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَعْلُومَةٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ مُمَيَّزٍ وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ قَوْلُنَا إنَّا نَقُولُ: هِيَ مَعْلُومَةٌ شَاهِدَةٌ

ــ

[كشف الأسرار]

وَانْتِفَاءِ صَلَاحِيَّةِ مَا تَوَهَّمَهُ الْخَصْمُ جَامِعًا أَوْ لِوُجُودِ مُعَارِضٍ فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ فَلِاشْتِرَاكِهَا فِي مَعْنًى جَامِعٍ أَوْ لِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْ الْمُخْتَلِفَاتِ بِعِلَّةٍ صَالِحَةٍ لِحُكْمٍ خِلَافِهِ إذْ لَا مَانِعَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الصُّوَرِ، وَإِنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْحُكْمِ أَنْ يُعَلَّلَ بِعِلَلٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ: إنَّ غَرَضِي مِمَّا ذَكَرْته بَيَانُ أَنَّ الشَّرْعَ شَهِدَ بِإِبْطَالِ أَمَارَاتِكُمْ؛ فَإِنَّهُ لَوْ حَرَّمَ النَّظَرَ إلَى شَعْرِ الْحُرَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَمَةَ لَعَلِمْتُمْ إنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي شَعْرِ الْأَمَةِ الْحَسْنَاءِ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَلَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَى مَا تَذْكُرُونَهُ مِنْ أَمَارَاتِكُمْ فِي الْقِيَاسِ فَإِذَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِبُطْلَانِهِ فَقَدْ صَحَّ قَوْلِي: إنَّ وَضْعَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ فَنُجِيبُهُ بِأَنَّ نَفْيَ الشَّرْعِ حُكْمَ أَمَارَةٍ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهَا أَمَارَةً فِي بَعْضِ الصُّوَرِ؛ فَإِنَّ الْغَيْمَ الرَّطْبَ أَمَارَةٌ فِي الشِّتَاءِ عَلَى الْمَطَرِ وَلَا يَنْقُضُ كَوْنَهُ أَمَارَةً وُجُودُ غَيْمٍ أَرْطَبَ فِي صَمِيمِ الشِّتَاءِ مِنْ غَيْرِ مَطَرٍ فَكَذَلِكَ أَمَارَاتُنَا لَا تَخْرُجُ مِنْ كَوْنِهَا أَمَارَاتٍ بِوُجُودِ أَمْثَالِهَا مُتَخَلِّفَةً عَنْهَا أَحْكَامُهَا إذْ الْأَكْثَرُ يُوجَدُ بِدُونِ التَّخَلُّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ]

(فَصْلٌ فِي تَعْلِيلِ الْأُصُولِ) لَمَّا بَيَّنَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الْأُصُولَ - وَهِيَ النُّصُوصُ - شُهُودُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي حُقُوقِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَشَهَادَتُهَا مَعَانِيهَا الْجَامِعَةُ بَيْنَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ بَيَّنَ فِي هَذَا الْفَصْلِ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَاخْتَلَفُوا يَعْنِي الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ، وَهِيَ النُّصُوصُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ بَعْضُ الْقَايِسِينَ: هِيَ غَيْرُ شَاهِدَةٍ أَيْ غَيْرُ مَعْلُولَةٍ فِي الْأَصْلِ إلَّا بِدَلِيلٍ أَيْ إذَا قَامَ دَلِيلٌ فِي الْبَعْضِ عَلَى كَوْنِهِ مَعْلُولًا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ وَيَصِحُّ اللَّازِمُ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ وَاسْتَرْذَلَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إطْلَاقَ لَفْظِ الْمَعْلُولِ عَلَى النَّصِّ فِي عِبَارَاتِهِمْ فَقَالُوا: الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ الْمَصْدَرُ لَازِمٌ، وَالنَّعْتُ مِنْهُ عَلِيلٌ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا النَّصُّ مُعَلَّلٌ بِكَذَا

وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَلَّ فَهُوَ مَعْلُولٌ أَيْ ذُو عِلَّةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُغْرِبِ وَالصِّحَاحِ، وَالْعِلَّةُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ النَّصِّ عَلَى مَا عُرِفَ تَفْسِيرُهَا فِي أَوَّلِ التَّقْوِيمِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْمَرَضِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا النَّصُّ مَعْلُولٌ أَيْ ذُو عِلَّةٍ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا يُقَالُ لِلْمَرِيضِ: مَعْلُولٌ أَيْ ذُو عِلَّةٍ بِمَعْنَى الْمَرَضِ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَعْلُولَةٌ بِكُلِّ وَصْفٍ يُمْكِنُ التَّعْلِيلُ بِهِ، وَيَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ

إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ أَيْ يَقُومَ دَلِيلٌ مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فِي الْبَعْضِ يَمْنَعُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِبَعْضِ الْأَوْصَافِ فَحِينَئِذٍ يَمْنَعُ التَّعْلِيلَ بِالْجَمِيعِ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا عُدِمَ فِيهِ الْمَانِعُ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُمْ عَامَّةُ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ هِيَ مَعْلُولَةٌ أَيْ الْأَصْلُ فِيهَا التَّعْلِيلُ، وَلَكِنْ بِوَصْفٍ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَمَيُّزِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ فِي كَوْنِهِ مُتَعَلَّقَ الْحُكْمِ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ

يَعْنِي لَا حَاجَةَ فِي تَعْلِيلِ كُلِّ نَصٍّ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّصَّ مَعْلُولٌ بَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ لَكِنْ يَحْتَاجُ فِيهِ إقَامَةَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ هُوَ الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ

وَهَذَا أَيْ هَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِعِلَّةٍ قَاصِرَةٍ وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ عَلَى الْغَيْرِ جَازَ الِاكْتِفَاءُ بِهَذَا الْقَدْرِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ كَوْنُهَا مَعْلُولَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>