للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ. التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ، وَالتَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ ثَبَاتِهِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَالتَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ أُصُولِهِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالْعَدَمِ عِنْدَ عَدَمِهِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْأَثَرَ مَعْنَى حُجَّةٍ فَمَهْمَا قَوِيَ كَانَ أَوْلَى لِفَضْلِ وَصْفٍ فِي الْحُجَّةِ عَلَى مِثَالِ الِاسْتِحْسَانِ فِي مُعَارَضَةِ الْقِيَاسِ هُوَ كَالْخَبَرِ لَمَّا صَارَ حُجَّةً بِالِاتِّصَالِ ازْدَادَ قُوَّةً بِمَا يَزِيدُهُ قُوَّةً فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى بِضَبْطِ الرَّاوِي، وَإِتْقَانِهِ وَسَلَامَتِهِ عَنْ الِانْقِطَاعِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَضْلُ عَدَالَةِ بَعْضِ الشُّهُودِ عَلَى عَدَالَةِ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذِي حَدٍّ وَلَا مُتَنَوِّعٍ بَلْ هُوَ التَّقْوَى وَلَا وُقُوفَ عَلَى حُدُودِهِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْعَدَالَةِ مِثْلُ فِقْهِ الرَّاوِي وَحُسْنِ ضَبْطِهِ، وَإِتْقَانِهِ وَمِثْلُ التَّأْثِيرِ فِي الْقِيَاسِ.

[الْقِسْمُ الثَّانِي التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ]

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي) ، وَهُوَ الْوُجُوهُ الَّتِي بِهَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَأَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْقِيَاسَيْنِ الْمُؤَثِّرَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ أَقْوَى تَأْثِيرًا مِنْ الْآخَرِ كَانَ رَاجِحًا عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْعَمَلُ بِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُؤَثِّرًا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فَلَا يَتَأَتَّى التَّرْجِيحُ.

وَالثَّانِي بِقُوَّةِ ثَبَاتِهِ أَيْ ثَبَاتِ الْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ وَصْفُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ أَلْزَمَ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ مِنْ وَصْفِ الْقِيَاسِ الْآخَرِ لِحُكْمِهِ وَالثَّالِثُ بِكَثْرَةِ أُصُولِهِ أَيْ أُصُولِ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ أَوْ أُصُولِ الْوَصْفِ وَالرَّابِعُ التَّرْجِيحُ بِالْعَدَمِ أَيْ عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْ عَدَمِ الْوَصْفِ، وَهُوَ الْعَكْسُ الَّذِي مَرَّ بَيَانُهُ.

أَمَّا الْأَوَّلُ أَيْ صِحَّةُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّ الْأَثَرَ مَعْنَى الْحُجَّةِ يَعْنِي الْمَعْنَى الَّذِي صَارَ الْوَصْفُ بِهِ حُجَّةً هُوَ الْأَثَرُ فَمَهْمَا قَوِيَ أَيْ كَانَ أَقْوَى كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ أَوْلَى لِفَضْلِ وَصْفٍ فِي الْحُجَّةِ أَيْ لِزِيَادَةِ أَثَرٍ، وَكَانَ فِي الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ عَلَى مِثَالِ الِاسْتِحْسَانِ فِي مُعَارَضَةِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ، وَإِنْ كَانَ مُؤَثِّرًا تَرَجَّحَ عَلَيْهِ الِاسْتِحْسَانُ لِزِيَادَةِ قُوَّةٍ فِيهِ، وَكَذَا عَكْسُهُ وَهُوَ أَيْ الْقِيَاسُ فِي تَرَجُّحِهِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ مِثْلُ الْخَبَرِ فِي تَرَجُّحِهِ بِقُوَّةِ الِاتِّصَالِ، أَوْ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ مِثْلُ تَرْجِيحِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ لَمَّا صَارَ حُجَّةً بِالِاتِّصَالِ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ازْدَادَ الْخَبَرُ قُوَّةً بِمَا يَزِيدُ قُوَّةً فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِضَبْطِ الرَّاوِي الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَزِيدَ، وَسَلَامَتُهُ أَيْ سَلَامَةُ الْخَبَرِ عَنْ الِانْقِطَاعِ بِاتِّصَالِ الْإِسْنَادِ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهُ فِي بَيَانِ أَقْسَامِ السُّنَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَضْلُ عَدَالَةِ بَعْضِ الشُّهُودِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الشَّهَادَةَ صَارَتْ حُجَّةً بِالْعَدَالَةِ كَمَا صَارَ الْوَصْفُ حُجَّةً بِالْأَثَرِ وَالْخَبَرِ بِالِاتِّصَالِ ثُمَّ الشَّهَادَةُ لَا تَتَرَجَّحُ بِقُوَّةِ الْعَدَالَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ أَصْلُ الْعَدَالَةِ فِي الْجَانِبَيْنِ تَحَقَّقَ التَّعَارُضُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ فَكَذَا الْقِيَاسَانِ بَعْدَمَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهُمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِقُوَّةِ الْأَثَرِ فَقَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قُوَّةِ الْأَثَرِ الِاتِّصَالُ فَضْلُ عَدَالَةِ بَعْضِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْفَضْلَ أَوْ الْعَدَالَةَ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِذِي حَدٍّ لِيُمْكِنَ مَعْرِفَةُ تَرَجُّحِ الْبَعْضِ بِزِيَادَةِ قُوَّةٍ فِيهِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إلَى حَدِّهِ، وَلَا مُتَنَوِّعٍ أَيْ لَيْسَ بِذِي أَنْوَاعٍ مُتَفَاوِتَةٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ لِيَظْهَرَ لِبَعْضِهَا قُوَّةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْبَعْضِ بَلْ هُوَ أَيْ الْعَدَالَةُ هِيَ التَّقْوَى وَالِانْزِجَارُ عَنْ ارْتِكَابِ مَا يَعْقِدُ الْحُرْمَةَ فِيهِ، وَلَا تَفَاوُتَ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَرُبَّمَا كَانَ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ أَعْدَلُ أَدْنَى دَرَجَةً فِي التَّقْوَى مِنْ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ دُونَهُ فِيهَا بِخِلَافِ تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ قُوَّةَ الْأَثَرِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ تَظْهَرُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إنْكَارُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَّةِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِأَدِلَّةٍ مَعْلُومَةٍ مُتَفَاوِتَةِ الْأَثَرِ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهَا عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ صَارَتْ حُجَّةً بِالْعَدَالَةِ بَلْ بِالْوِلَايَةِ الثَّابِتَةِ بِالْحُرِّيَّةِ.

وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْوِلَايَةِ الثَّابِتَةِ بِأَصْلِ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ لِظُهُورِ جَانِبِ الصِّدْقِ فَإِذَا ظَهَرَ الصِّدْقُ بِأَصْلِ الْعَدَالَةِ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى زِيَادَةِ قُوَّةٍ فِي الْعَدَالَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَأَمَّا الْقِيَاسُ فَمَا صَارَ حُجَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>