للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ الْخِلَافِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ، ثُمَّ الْمُمَانَعَةُ، ثُمَّ بَيَانُ فَسَادِ الْوَضْعِ، ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ أَمَّا الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ فَالْتِزَامُ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ وَأَنَّهُ يُلْجِئُ أَصْحَابَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالْمَعَانِي الْفِقْهِيَّةِ وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ رُكْنٌ فِي وُضُوءٍ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ فَيُقَالُ لَهُمْ عِنْدَنَا: يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ يَتَأَدَّى بِقَدْرِ الرُّبْعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ بِأَقَلَّ مِنْهُ فَمَا يُجَاوِزُهُ إلَى اسْتِيعَابِهِ فَتَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ إذْ لَيْسَ مُقْتَضَى التَّثْلِيثِ اتِّحَادَ الْمَحَلِّ لَا مَحَالَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ ثَلَاثَةَ دُورٍ كَانَ ثَلَاثُ دَخَلَاتٍ بِمَنْزِلِهَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ.

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ الزَّلَلِ فَكَانَتْ أَوْلَى.

وَعِنْدَنَا صَارَ الْوَصْفُ عِلَّةً بِمَعْنَاهُ وَهُوَ التَّأْثِيرُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْعُمُومِ فِي ذَلِكَ بَلْ الْعُمُومُ صُورَةٌ وَلَا اعْتِبَارَ لَهَا فِي الْعِلَلِ. وَالرَّابِعُ مِنْ التَّرْجِيحَاتِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِقِلَّةِ الْأَوْصَافِ مِثْلُ تَرْجِيحِ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَصْفَ الطَّعْمِ فِي بَابِ الرِّبَا عَلَى الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ بِوَحْدَةِ الْوَصْفِ إذْ الْجِنْسُ شَرْطٌ عِنْدَهُمْ قَالُوا عِلَّةٌ هِيَ ذَاتُ وَصْفٍ وَاحِدٍ أَقْرَبُ إلَى الضَّبْطِ، وَأَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ، وَأَكْثَرُ تَأْثِيرًا مِنْ ذَاتِ وَصْفَيْنِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا فِي إثَارَةِ الْحُكْمِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ فَكَانَتْ أَوْلَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ وَصْفًا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ شَبَهًا بِالْأَصْلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ فَرْعٌ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ الْمُوجَزُ لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الْمُطَوَّلِ فِي الْبَيَانِ فَكَذَا الْعِلَّةُ. وَلَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ أَيْ الرُّجْحَانُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فِي النَّصِّ الَّذِي جُعِلَ نَظْمُهُ حُجَّةً مَعَ تَحَقُّقِ الِاخْتِصَارِ وَالْإِشْبَاعِ فِيهِ، وَمَعَ كَوْنِهِ أَصْلًا.

فَفِي هَذَا أَيْ فِي التَّعْلِيلِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ النَّصِّ، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الِاخْتِصَارُ وَالْإِشْبَاعُ أَوْلَى أَنْ لَا يَعْتَبِرَ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ إذْ الِاعْتِبَارُ فِيهِ لِلتَّأْثِيرِ لَا لِلْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ بِخِلَافِ اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا صَارَ صَوْمًا بِاعْتِبَارِ صُورَتِهِ، وَمَعْنَاهُ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْكَثْرَةِ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلذَّاتِ فِي مُقَابَلَةِ الْحَالِ فَأَمَّا هَاهُنَا فَلَا اعْتِبَارَ لِلصُّورَةِ إذْ الْعِلَّةُ صَارَتْ عِلَّةً بِمَعْنَاهَا لَا بِصُورَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا اعْتِبَارُ الْكَثْرَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ ذَكَرُوا وُجُوهًا كَثِيرَةً فِي التَّرْجِيحِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ بِحَيْثُ لَا تَكَادُ تُضْبَطُ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اقْتَصَرَ فِي بَيَانِ الْوُجُوهِ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْمَعَانِي الْفِقْهِيَّةِ وَالْمُتَدَاوِلَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْفِقْهِ؛ وَلِأَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ الْوُجُوهِ الصَّحِيحَةِ قَدْ انْدَرَجَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَبْوَابِ وَاقْتَصَرَ فِي بَيَانِ الْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَدَاوَلَةُ بَيْنَ أَهْلِ النَّظَرِ، وَقَدْ يَحْصُلُ الْوُقُوفُ بِبَيَانِ فَسَادِهَا عَلَى فَسَادِ مَا سِوَاهَا مِنْ الْوُجُوهِ الْفَاسِدَةِ، فَنَقْلُ الْفَائِدَةِ فِي الِاشْتِغَالِ بِتَفَاصِيلِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ]

[الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ]

(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

الْأَوْصَافُ الطَّرْدِيَّةُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مِنْهَا أَوْصَافٌ فَاسِدَةٌ فِي ذَوَاتِهَا لِخُلُوِّهَا عَنْ التَّأْثِيرِ وَالْمُلَاءَمَةِ وَنَوْعٌ مِنْهَا أَوْصَافٌ صَحِيحَةٌ فِي أَنْفُسِهَا لِكَوْنِهَا مُلَائِمَةً وَمُؤَثِّرَةً إلَّا أَنَّ أَهْلَ الطَّرْدِ تَمَسَّكُوا بِاطِّرَادِهَا لَا بِتَأْثِيرِهَا وَمُنَاسَبَتِهَا إذْ الْمَنْظُورُ عِنْدَهُمْ نَفْسُ الِاطِّرَادِ لَا غَيْرُ فَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ وُجُوهِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْ هَذَا الْبَابُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ بَابِ دَفْعِ الْعِلَلِ فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ ذَلِكَ الْبَابِ أَنَّ الْعِلَلَ نَوْعَانِ: مُؤَثِّرَةٌ وَطَرْدِيَّةٌ وَعَلَى كُلِّ قِسْمٍ ضُرُوبٌ مِنْ الدَّفْعِ وَقَدْ فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَشَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ أَيْ عَمَّا أَوْجَبَهُ عِلَّةُ الْمُسْتَدِلِّ لَا عَنْ الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ يَعْنِي لَمَّا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ رَافِعًا لِلْخِلَافِ كَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى النِّزَاعِ مَعَ إمْكَانِ الْوِفَاقِ وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَنَوْعٌ مِنْ السَّفَهِ، ثُمَّ الْحُجَّةُ عَلَى الْخَصْمِ بِمَا يَكُونُ مُنَاقِضًا لِدَعْوَاهُ فَإِذَا وَافَقَهُ الْخَصْمُ فِيمَا قَالَ لَمْ يَكُنْ مُنَاقِضًا لِدَعْوَاهُ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ فَالْتِزَامُ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ) أَيْ أَنَّهُ قَبُولُ السَّائِلِ مَا يُوجِبُ الْمُعَلِّلُ عَلَيْهِ بِتَعْلِيلِهِ يَعْنِي مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ فِي الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ عَامَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>