للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَطْلُبُ وُجُوهَ الْمَقَايِيسِ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً عَلَى مَا عُرِفَ شَرْحُهُ فِي مَوْضِعِهِ.

وَأَمَّا النَّوْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ الْمُنَاقَضَةُ فَيُلْجِئُ إلَى الْقَوْلِ بِالْأَثَرِ أَيْضًا مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ أَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ فَكَيْفَ افْتَرَقَتَا؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا كَانَ بَاطِلًا بِلَا شُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ افْتَرَقَا فِي عَدَدِ الْأَعْضَاءِ.

ــ

[كشف الأسرار]

مُوجِبِ الْعَقْدِ يَكُونُ فَاسِدًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَمَكُّنُ الْمَوْلَى مِنْ الْفَسْخِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ عَجُزٌ عَنْ أَدَاءِ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ لُزُومُ الْبَدَلِ عَلَى أَنْ يَصِيرَ مِلْكًا لِلْمَوْلَى بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ بِالْأَدَاءِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ لَا يَسْبِقُ الْأَدَاءَ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ فَقَدْ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فِيهِ.

فَأَمَّا مُوجِبُ الْعَقْدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَمَلَكَ الثَّمَنَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً.

وَذَلِكَ قَدْ تَمَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَبِسَبَبِ الْإِفْلَاسِ لَا يَتَمَكَّنُ الْخَلَلُ فِيمَا هُوَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ كَذَا ذَكَر شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فِي الْأَصْلِ وَضَعَ الشَّرْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَنَّ قَوْلَهُ وَالْبَيَّاعَاتُ إلَى آخِرِهِ مُتَعَلِّقُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَوَجْهُ إيرَادِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى التَّبَايُعَ مُدَايَنَةً فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنَى الدَّيْنِيَّةِ لِيَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ بِهَا وَلَيْسَ مَعْنَى الدَّيْنِيَّةِ فِي جَانِبِ الْمَبِيعِ إذْ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا فَثَبَتَ أَنَّهُ فِي جَانِبِ الثَّمَنِ فَكَانَ فِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنِيَّةُ وَأَنَّ الْمُبَايَعَةَ لِالْتِزَامِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ هُوَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ فِي أَكْثَرِ الْأَقَاوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيُطْلَبُ وُجُوهُ الْمَقَايِيسِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعْيِينِ النُّقُودِ فَإِنَّهُمْ اعْتَبَرُوا النُّقُودَ بِالسِّلَعِ فِي الْبَيْعِ وَبِالتَّبَرُّعَاتِ وَبِالْغَصْبِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكُلِّ فَاسِدُ الْوَضْعِ أَوْ أُرِيدَ بِوُجُوهِ الْمَقَايِيسِ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ الطَّرْدِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ فَاسِدًا فِي وَضْعِهِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذِهِ الْأَقْيِسَةُ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى صَلَاحِ الْوَصْفِ وَمَعَ فَسَاد الْوَصْفِ لَا يَكُونُ الْوَصْفُ صَالِحًا كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنْوَاعَ الْمَقَايِيسِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ أَمْثِلَةِ فَسَادِ الْوَضْعِ جُمْلَةً كَمَا صَرَّحَ الْقَاضِي الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهِ فِي التَّقْوِيمِ فَقَالَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ أَحْسَنُ عِلَلِهِمْ وَأَظْهَرُهَا لِلْقُلُوبِ صِحَّةً وَأَبْيَنُهَا فِقْهًا فَيُعْرَفُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ أَكْثَرَ عِلَلِهِمْ لَا يَخْلُو عَنْ فَسَادِ الْوَضْعِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّأْثِيرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ بِلَا خِلَافٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا.

وَالْمَقَايِيسُ جَمْعُ مِقْيَاسٍ وَهُوَ مِنْ أَوْزَانِ الْآلَةِ فَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي هِيَ آلَاتُ الْأَقْيِسَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَاطِلَةٌ أَوْ الْمُرَادُ بِالْمَقَايِيسِ نَفْسُ الْأَقْيِسَةِ وَالضَّمِيرُ فِي شَرْحِهِ رَاجِعٌ إلَى الْبُطْلَانِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ فَبَطَلَتْ وَفِي مَوْضِعِهِ إلَى الشَّرْعِ وَمَوْضِعُ الشَّرْحِ الْكُتُبُ الطِّوَالُ مِثْلُ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِمَا.

[الْمُنَاقَضَةُ]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا النَّوْعُ الرَّابِعُ) مِنْ أَقْسَامِ أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ الْمُنَاقَضَةُ وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهَا فَيُلْجِئُ أَصْحَابُ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالْأَثَرِ أَيْضًا مِثْلُ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الطَّرْدَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْمُجِيبُ لَمَّا انْتَقَضَ بِمَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ مِنْ النَّقْضِ لَا يَجِدُ الْمُجِيبُ بُدًّا مِنْ الْمُخْلِصِ عَنْهُ بِبَيَانِ الْفَرْقِ وَعَدَمِ وُرُودِهِ بِقَضَاءٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الطَّرْدِ إلَى بَيَانِ الْمَعْنَى.

وَهَذَا إنْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ انْقِطَاعًا لَوْ سَامَحَهُ السَّائِلُ وَلَمْ يُنَاقِشْهُ فِي الشُّرُوعِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ وَالتَّأْثِيرِ فَأَمَّا إذَا جُعِلَ انْقِطَاعًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ وَلَمْ يُسَامِحْهُ السَّائِلُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: احْتَجَجْت عَلَيَّ بِاطِّرَادِ هَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ انْتَقَضَ ذَلِكَ بِمَا أَوْرَدْتُهُ فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةً فَلَا يَنْفَعُهُ بَيَانُ التَّأْثِيرِ وَالشُّرُوعُ فِي الْفَرْقِ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ انْتِفَالٌ عَنْ حُجَّةٍ وَهِيَ الطَّرْدُ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ التَّأْثِيرُ لِإِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ الْأَوَّلِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ فَيُضْطَرُّ إلَى التَّمَسُّكِ بِالتَّأْثِيرِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الطَّرْدِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ الْمَجَالِسِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُمَا طَهَارَتَا صَلَاةٍ فَكَيْفَ افْتَرَقَتَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>