للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذِهِ وُجُوهٌ مُتَقَارِبَةٌ فِي ضَبْطِهَا مَعْرِفَةُ حُدُودِ الْفِقْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ تَقْسِيمِ الشَّرْطِ)

وَهُوَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ شَرْطٌ مَحْضٌ وَشَرْطٌ لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ وَشَرْطٌ لَهُ حُكْمُ الْأَسْبَابِ وَشَرْطٌ اسْمًا لَا حُكْمًا فَكَانَ مَجَازًا فِي الْبَابِ وَشَرْطٌ هُوَ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ الْخَالِصَةِ أَمَّا الشَّرْطُ الْمَحْضُ فَمَا يَمْتَنِعُ بِهِ وُجُودُ الْعِلَّةِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ فَيَصِيرُ الْوُجُودُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ دُونَ الْوُجُوبِ

ــ

[كشف الأسرار]

الِاسْتِبْرَاءَ كَاسْمِهِ لِتَبَيُّنِ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَقَاسَ بِالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِدَّةِ فِي حَالِ الدُّخُولِ تَبَيُّنُ فَرَاغِ الرَّحِمِ.

وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذِهِ حِكْمَةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْعِلَّةِ لَا بِالْحِكْمَةِ وَالْعِلَّةُ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ كَمَا بَيَّنَّا ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمَّى الِاسْتِحْدَاثَ سَبَبًا لِلشُّغْلِ قُبَيْلَ هَذَا بِخُطُوطٍ وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّا ثُمَّ جَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى الشُّغْلِ حَيْثُ أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِحْدَاثَ يَدُلُّ عَلَى مِلْكِ مَنْ يُسْتَحْدَثُ مِنْهُ وَيُتَلَقَّى مِنْ جِهَتِهِ وَمِلْكُهُ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْوَطْءُ سَبَبٌ لِلشُّغْلِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فَكَانَ الِاسْتِحْدَاثُ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ دَلِيلًا عَلَى عِلَّةِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فَأُقِيمَ مَقَامَ الْمَدْلُولِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ سَبَبًا بِالنَّظَرِ إلَى مُطْلَقِ الشُّغْلِ وَكَوْنَهُ دَلِيلًا بِالنَّظَرِ إلَى الشُّغْلِ بِمَاءِ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا جَمَعَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَقَالَ فَقَامَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ الدَّالُّ عَلَيْهِ مَقَامَ كَذَا وَلَكِنْ جَعْلُهُ دَلِيلًا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ سَبَبًا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ الشُّغْلُ بِمَاءِ الْغَيْرِ لَا مُطْلَقُ الشُّغْلِ وَالِاسْتِحْدَاثُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلشُّغْلِ بِمَاءِ الْغَيْرِ بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا فَكَانَ جَعْلُهُ دَلِيلًا أَوْلَى وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَيْ طَرِيقُ وَضْعِ الشَّيْءِ مَقَامَ غَيْرِهِ وَفِقْهُهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي جَوَّزَ ذَلِكَ شَرْعًا كَذَا أَحَدُهَا لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ أَيْ جَوَّزَ ذَلِكَ لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ وَالْعَجْزِ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ.

وَلِلِاحْتِيَاطِ كَمَا قِيلَ فِي تَحْرِيمِ الدَّوَاعِي فِي الْحُرُمَاتِ فَإِنَّ الزِّنَا حُرِّمَ صَوْنًا لِلْفُرُشِ عَنْ الْفَسَادِ وَحِفْظًا لِلنَّسْلِ عَنْ الضَّيَاعِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الدَّوَاعِي مِنْ الْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ مَقَامَهُ فِي الْحُرْمَةِ وَكَذَلِكَ فِي الظِّهَارِ وَالْعِبَادَاتِ أَيْ أُقِيمَتْ الدَّوَاعِي مَقَامَ الْوَطْءِ فِي الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الْجِمَاعَ فِي حَالَتَيْ الِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ حَرَامٌ ثُمَّ أَحْدَثُ الدَّوَاعِي حِكْمَةً لِلِاحْتِيَاطِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ فِي الْعِبَادَاتِ قَدْ يُقَامُ الشَّيْءُ مَقَامَ غَيْرِهِ لِلِاحْتِيَاطِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْإِسْلَامِ حَتَّى وَجَبَ لِلْحُكْمِ بِالْإِسْلَامِ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ تَصْدِيقٌ وَلَا إقْرَارٌ وَكَذَا الْإِقْرَارُ الْمُجَرَّدُ أُقِيمَ مَقَامَ الْإِسْلَامِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى وَجَبَ الْعِبَادَاتُ بِهِ احْتِيَاطًا وَإِعْلَاءً لِلدِّينِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلِدَفْعِ الْحَرَجِ أَيْ الضِّيقِ وَالْمَشَقَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي الْقَسَمِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَصْلًا وَفِي هَذَا الْقِسْمِ يُمْكِنُ ذَلِكَ وَلَكِنْ مَعَ نَوْعِ مَشَقَّةٍ وَهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ فِي الشَّرْعِ كَالضَّرُورَةِ وَهَذِهِ أَيْ الْأَقْسَامُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي تَقْسِيمِ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ وُجُوهٌ مُتَقَارِبَةٌ.

[بَابُ تَقْسِيمِ الشَّرْطِ]

قَوْلُهُ (فَمَا يَمْتَنِعُ بِهِ وُجُودُ الْعِلَّةِ) أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِالتَّعْلِيقِ بِهِ وُجُودُ الْعِلَّةِ لَا أَنْ يَمْتَنِعَ بِوُجُودِهِ وُجُودُهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فَإِنَّهَا لَا يَمْتَنِعُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ بَلْ تُوجَدُ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ

وَذَلِكَ أَيْ وُجُودُ الشَّرْطِ بِالصِّفَةِ الَّتِي قُلْنَا يُوجَدُ فِي كُلِّ تَعْلِيقٍ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمَتَى دَخَلْت أَوْ إذَا دَخَلْت فَالدُّخُولُ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ حَرْفُ الشَّرْطِ شَرْطٌ وَامْتَنَعَتْ الْعِلَّةُ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الِانْعِقَادِ بَعْدَ وُجُودِ صُورَتِهَا مِنْ حَيْثُ التَّكَلُّمُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فِي الْحَالِ فَإِذَا وُجِدَ الدُّخُولُ يَنْعَقِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>