للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا السُّكْرُ بِالْإِجْمَاعِ لَا يُنَافِي الْخِطَابَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] وَإِنْ كَانَ هَذَا خِطَابًا فِي حَالِ السُّكْرِ فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الصَّحْوِ فَكَذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْعَاقِلِ إذَا جُنِنْتَ فَلَا تَفْعَلْ كَذَا

ــ

[كشف الأسرار]

إذَا لَمْ يَسْتَكْثِرْ فَإِنْ اسْتَكْثَرَ حَتَّى سَكِرَ فَالسُّكْرُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَفِي نَفَاذِ تَصَرُّفَاتِهِ فَمَنْ أَوْجَبَ الْحَدَّ أَلْحَقَهُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَمَنْ لَمْ يُوجِبْ قَالَ هُوَ مُتَّخَذٌ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَصْلِ الْخَمْرِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ لَبَنِ الرِّمَاكِ.

وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ مِنْ الْعَسَلِ وَالذُّرَةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ مُعْتَقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعْتَقٍ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ فِي النَّوَادِرِ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ شَرِبَ النِّيءَ مِنْهُ بَعْدَمَا اشْتَدَّ لَا يَحِلُّ.

وَذَكَرَ الدَّلَائِلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ شَرِبَ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ الْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالْفَانِيذِ وَالْكُمَّثْرَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْحَدِّ فِي الْخَمْرِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهِ الْحَدَّ كَانَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَلَهَّى بِهِ أَوْ السُّكْرُ الْحَاصِلُ بِهَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّهْوِ وَبَعْضُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَهُوَ الْبَنْجُ وَلَبَنُ الرِّمَاكِ وَالْأَفْيُونُ مَذْكُورٌ فِي النَّوَادِرِ فَأَمَّا الْمُتَّخَذُ مِنْ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْعَسَلِ فَمَذْكُورٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَبْسُوطِ.

[الْقَسْم الثَّانِي السُّكْر بِطَرِيقِ غَيْر مُبَاح]

قَوْلُهُ (وَكَذَا السُّكْرُ مِنْ النَّبِيذِ الْمُثَلَّثِ) عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالنَّارِ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ ثُمَّ رُقِّقَ بِالْمَاءِ وَتُرِكَ حَتَّى اشْتَدَّ يُسَمَّى مُثَلَّثًا وَيَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِاسْتِمْرَاءِ الطَّعَامِ وَالتَّدَاوِي وَالتَّقَوِّي دُونَ التَّلَهِّي وَاللَّعِبِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَوْ سَكِرَ مِنْهُ يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ وَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ وَنَبِيذُ الزَّبِيبِ وَنَقِيعُهُ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي أُلْقِيَ فِيهِ الزَّبِيبُ لِيُخْرِجَ حَلَاوَتَهُ إلَيْهِ ثُمَّ هُوَ إنْ لَمْ يُطْبَخْ حَتَّى اشْتَدَّ وَغَلَى وَقُذِفَ بِالزُّبْدِ فَهُوَ حَرَامٌ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَإِنْ اشْتَدَّ بَعْدَ مَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةً يَحِلُّ شُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْهُ عِنْدَهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى هِشَامٌ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ لَا يَحِلُّ كَالْعَصِيرِ فَقَوْلُهُ مِنْ النَّبِيذِ الْمُثَلَّثِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمُثَلَّثَ الَّذِي بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّبِيذِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُخْلَطُ بِالْمَاءِ لِلتَّرْقِيقِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ نَبِيذُ الزَّبِيبِ الْمُثَلَّثِ عَلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ وَمِنْ الثَّانِي الْمَطْبُوخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَالشُّرْبُ إلَى السُّكْرِ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حَرُمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» وَالْمُعَتَّقُ الْمُشْتَدُّ وَتَعْتِيقُ الْخَمْرِ تَرْكُهَا لِتَصِيرَ عَتِيقَةً أَيْ قَدِيمَةً شَدِيدَةً لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ الْمُثَلَّثَ أَوْ نَبِيذَ الزَّبِيبِ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَلَهَّى بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّخَذٌ مِنْ الْعِنَبِ كَالْخَمْرِ وَالْفُسَّاقُ يَسْتَعْمِلُونَهُ اسْتِعْمَالَ الْخَمْرِ لِلتَّلَهِّي وَالْفِسْقِ فَيَكُونُ السُّكْرُ مِنْهُ مَحْظُورًا، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلزَّجْرِ عَنْ ارْتِكَابِ سَبَبِهِ وَدَعَا الطَّبْعُ إلَى الشَّرَابِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ وَالزَّبِيبُ حَاصِلٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الزَّاجِرِ بِخِلَافِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ قَوْلُهُ (وَهَذَا السُّكْرُ) أَيْ السُّكْرُ الْمَحْظُورُ لَا يُنَافِي الْخِطَابَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣] فَإِنْ كَانَ هَذَا خِطَابًا فِي حَالِ سُكْرِهِ بِلَا شُبْهَةٍ فِيهِ أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُنَافِي الْخِطَابَ وَإِنْ كَانَ فِي حَالِ الصَّحْوِ فَكَذَلِكَ أَيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَافِي الْخِطَابَ أَيْضًا إذْ لَوْ كَانَ مُنَافِيًا لَهُ لَصَارَ كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ إذَا سَكِرْتُمْ وَخَرَجْتُمْ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>