للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلُ الْهَزْلِ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ. وَأَمَّا الْهَزْلُ فَتَفْسِيرُهُ اللَّعِبَ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ وَهُوَ ضِدُّ الْجَدِّ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا وُضِعَ لَهُ فَصَارَ الْهَزْلُ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَا بِهِ وَلَا يُنَافِي الرِّضَاءَ بِالْمُبَاشَرَةِ وَاخْتِيَارَ الْمُبَاشَرَةِ فَصَارَ بِمَعْنَى خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ بِعَدَمِ الرِّضَاءِ وَالِاخْتِيَارِ جَمِيعًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَلَا يُعْدَمُ الرِّضَاءُ وَالِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ هَذَا تَفْسِيرُ الْهَزْلِ وَأَثَرُهُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا مَشْرُوطًا بِاللِّسَانِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّلْجِئَةُ هِيَ الْهَزْلُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلْأَهْلِيَّةِ وَلَا لِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَا عُذْرًا فِي وَضْعِ الْخِطَابِ بِحَالٍ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَثَرُهُ مَا.

قُلْنَا وَجَبَ النَّظَرُ فِي الْأَحْكَامِ كَيْفَ يَنْقَسِمُ فِي حَقِّ الرِّضَاءِ وَالِاخْتِيَارِ

ــ

[كشف الأسرار]

[فَصْلُ الْهَزْلِ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

فَصْلُ الْهَزْلِ)

وَأَمَّا الْهَزْلُ فَتَفْسِيرُهُ اللَّعِبُ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْوَضْعِ هَاهُنَا وَضْعَ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا غَيْرُ كَالْأَسَدِ لِلْهَيْكَلِ الْمَعْلُومِ وَالْإِنْسَانِ لِلْحَيَوَانِ النَّاطِقِ بَلْ الْمُرَادُ وَضْعُ الْعَقْلِ أَوْ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْكَلَامَ مَوْضُوعٌ عَقْلًا لِإِفَادَةِ مَعْنَاهُ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا وَالتَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ حُكْمِهِ فَإِذَا أُرِيدَ بِالْكَلَامِ غَيْرَ مَوْضُوعِهِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ عَدَمُ إفَادَةِ مَعْنَاهُ أَصْلًا أُرِيدَ بِالتَّصَرُّفِ غَيْرَ مَوْضُوعِهِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ عَدَمُ إفَادَتِهِ الْحُكْمَ أَصْلًا فَهُوَ الْهَزْلُ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالْهَزْلِ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ الْعَقْلِيَّ الْكَلَامُ وَهُوَ إفَادَةُ الْمَعْنَى فِي الْمَجَازِ مُرَادًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْضُوعُ لَهُ اللُّغَوِيُّ مُرَادًا وَفِي الْهَزْلِ كِلَاهُمَا لَيْسَ بِمُرَادٍ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ الشَّيْخُ بِاللَّعِبِ إذْ اللَّعِبُ مَا لَا يُفِيدُ فَائِدَةً أَصْلًا وَهُوَ مَعْنَى مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْهَزْلَ مَا لَا يُرَادُ بِهِ مَعْنًى وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْهَزْلَ كَلَامٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ مَا صَلُحَ لَهُ الْكَلَامُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَا مَا صَلُحَ لَهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

وَقَوْلُهُ وَهُوَ ضِدُّ الْجَدِّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَجَازِ كَمَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْمَجَازِ الْحَقِيقَةُ وَمُقَابِلَ الْهَزْلِ الْجَدُّ وَالْمَجَازُ دَاخِلٌ فِي الْجَدِّ كَالْحَقِيقَةِ فَكَانَ الْهَزْلُ مُخَالِفًا لَهُمَا وَلِهَذَا جَازَ الْمَجَازُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَا يَجُوزُ الْهَزْلُ فِيهِ لِاسْتِلْزَامِهِ خُلُوَّهُ عَنْ الْإِفَادَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَصَارَ الْهَزْلُ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَاءَ بِهِ يَعْنِي لَمَّا كَانَ تَفْسِيرُ الْهَزْلِ مَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَرِدُ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ كَانَ الْهَزْلُ مُنَافِيًا لِاخْتِيَارِ الْحُكْمِ وَالرِّضَاءِ بِهِ ضَرُورَةً وَلَكِنَّهُ لَا يُنَافِي الرِّضَاءَ بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ وَاخْتِيَارِ الْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ يَتَكَلَّمُ بِمَا هَزِلَ بِهِ عَنْ اخْتِيَارٍ وَرِضَاءٍ فَصَارَ الْهَزْلُ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ الْخِيَارَ بِعَدَمِ الرِّضَاءِ وَالِاخْتِيَارِ جَمِيعًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي الْحُكْمِ لَا غَيْرُ وَلَا يُعْدَمُ الرِّضَاءُ وَالِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْت وَاشْتَرَيْت يُوجَدُ بِرِضَاءِ الْعَاقِدِ وَاخْتِيَارِهِ فَكَذَا فِي الْهَزْلِ يُوجَدُ الرِّضَاءُ وَالِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ السَّبَبِ وَلَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ إلَّا أَنَّ الْهَزْلَ فِي الْبَيْعِ يُفْسِدُهُ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَا يُفْسِدُهُ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ الرِّضَاءِ وَالِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْ الرِّضَاءِ كَمَا فِي مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ وَشَرْطُهُ أَيْ شَرْطُ ثُبُوتِ الْهَزْلِ وَاعْتِبَارِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا مَشْرُوطًا بِاللِّسَانِ بِأَنْ تَقُولَ إنِّي أَبِيعُ هَذَا الشَّيْءَ هَازِلًا أَوْ أَتَصَرَّفُ التَّصَرُّفَ الْفُلَانِيَّ هَازِلًا وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ.

إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْهَازِلِ فِي الْعَقْدِ إذْ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ التَّصَرُّفَ الَّذِي هَزَلَ بِهِ جِدًّا وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ حَقِيقَةً بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يُكْتَفَى بِاشْتِرَاطِهِ بِاللِّسَانِ قَبْلَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَمَنْعِ الْحُكْمِ عَنْ الثُّبُوتِ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْعَقْدِ وَالتَّلْجِئَةُ هِيَ الْهَزْلُ ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ التَّلْجِئَةَ أَنْ تُلْجِئَك إلَى أَنْ تَأْتِيَ أَمْرًا بَاطِنُهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ فَتَكُونَ التَّلْجِئَةُ نَوْعًا مِنْ الْهَزْلِ وَالْهَزْلُ أَعَمُّ مِنْهَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ قَدْ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ وَقَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا لَهُ بِأَنْ نَقُولَ بِعْتُك هَازِلًا وَاشْتِرَاطُ التَّلْجِئَةُ لَا يَكُونُ إلَّا سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>