للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكِنَّ الْمُسَمَّى الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ لَا يُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُهُ عِنْدَ سُقُوطِ تَسْلِيمِ الْبُضْعِ فَلَمَّا أَوْجَبُوا عَلَيْهِ تَسْلِيمَ النِّصْفِ مَعَ فَوَاتِ تَسْلِيمِ الْبُضْعِ كَانَ قَصْرًا لِيَدِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَالِ فَأَشْبَهَ الْغَصْبَ.

فَأَمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ فَمِثْلَ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَنَّهُ إذَا أَدَّى الْقِيمَةَ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ وَقِيمَةِ الشَّيْءِ قَضَاءً لَهُ لَا مَحَالَةَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَصْلِ وَهَذَا الْأَصْلُ لَمَّا كَانَ مَجْهُولًا مِنْ وَجْهٍ وَمَعْلُومًا مِنْ وَجْهٍ صَحَّ تَسْلِيمُهُ مِنْ وَجْهٍ وَاحْتَمَلَ الْعَجْزَ فَإِنْ أَدَّى صَحَّ وَإِنْ اخْتَارَ جَانِبَ الْعَجْزِ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْفُرْقَةِ مُضَافَةً إلَيْهَا وَذَا مُوجِبٌ نِصْفَ الصَّدَاقِ عَلَى الْأَبِ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ أَوْ قَصَرَ يَدَهُ عَنْهُ فَلِذَلِكَ يَضْمَنُ، وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ مُخْتَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعِبَارَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ أَنَّ الْمَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ أَوْ قَبَّلَتْ ابْنَ الزَّوْجِ يَسْقُطُ عَنْهُ كُلُّ الْمَهْرِ، فَالشُّهُودُ بِشَهَادَتِهِمْ أَكَّدُوا مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ فَكَأَنَّهُمْ أَلْزَمُوهُ ذَلِكَ فَلِهَذَا ضَمِنُوا.

، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا لَا نُسَلِّمُ التَّأْكِيدَ بَلْ الْمَهْرُ كُلُّهُ وَجَبَ مُتَأَكِّدًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا الْوَطْءُ الَّذِي جَرَى مَجْرَى الْقَبْضِ وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يَتَعَلَّقُ تَمَامُهُ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ.

، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا التَّأْكِيدَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَأْكِيدَ الْوَاجِبِ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى الْوَاهِبِ يَأْخُذُ الْعِوَضَ حَتَّى أَبْطَلَ الْقَاضِي عَلَيْهِ حَقَّ الرُّجُوعِ ثُمَّ رَجَعَا وَقَدْ هَلَكَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَضْمَنَا لِلْوَاهِبِ شَيْئًا وَقَدْ أَكَّدَا بِثُبُوتِ الْعِوَضِ حُكْمَ زَوَالِ مِلْكِهِ وَلَمْ يَجْرِ مَجْرَى الْإِزَالَةِ ابْتِدَاءً كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

، وَلَمَّا كَانَ جَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَقْرَبَ إلَى التَّحْقِيقِ اخْتَارَ الشَّيْخُ قَوْلَهُ (كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ) مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ تَامًّا كَامِلًا لَا بِقَوْلِهِ قِيمَةً لِلْبُضْعِ عَلَى مَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ فَإِنَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَا بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ تَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَغْرَمْ لَهَا إلَّا نِصْفَ الْمُسَمَّى وَقَدْ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالْإِقَالَةِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمَا إنْ أَخْرَجَا السِّلْعَةَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ رَدَّ إلَيْهِ الثَّمَنَ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوا جَمِيعَ الْبُضْعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ جَمِيعُ بَدَلِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا غَرِمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ غَرِمَ الْمُسَمَّى سَوَاءٌ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ وَكَذَا لَوْ بَرَّأَتْهُ عَنْ الصَّدَاقِ يَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الشُّهُودِ وَإِنْ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا كَذَا فِي التَّهْذِيبِ، فَالشَّيْخُ بِقَوْلِهِ تَامًّا كَامِلًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ

[الْقَضَاءُ الَّذِي فِي حُكْمِ الْأَدَاءِ]

قَوْلُهُ (فَمِثْلُ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ) إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ وَجَبَ الْوَسَطُ عِنْدَنَا إنْ أَتَاهَا بِالْعَيْنِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ وَإِنْ أَتَاهَا بِالْقِيمَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَكُونُ قِيَاسَ الْبَيْعِ وَالْعَبْدُ الْمُطْلَقُ لَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَكَذَا بِالنِّكَاحِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُسَمَّى مَهْرًا هُوَ الْمَالِيَّةُ وَبِمُجَرَّدِ ذِكْرِ الْعَبْدِ لَا تَصِيرُ الْمَالِيَّةُ مَعْلُومَةً فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لِبَقَاءِ الْجَهَالَةِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَمَّى ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ فَكَذَا إذَا سَمَّى عَبْدًا.

، وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا فِي مُبَادَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ بِمَالٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ فِي الدِّيَةِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَأَوْجَبَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً عَبْدًا أَوْ أَمَةً، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَيَوَانُ مُطْلَقًا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ شَرْطًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَهْرَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ مَالٌ وَجَبَ ابْتِدَاءً وَالْجَهَالَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ فِي الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِعَبْدٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ عَيْنُ الْمَهْرِ عِوَضًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ لَزِمَ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ فَأَوْجَبَ الشَّرْعُ الْوَسَطَ نَظَرًا لَهُمَا كَمَا فِي الزَّكَوَاتِ أَوْجَبَ الْوَسَطَ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَسْمِيَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>