للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْكَامِلُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَالْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَهَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى الْأُولَى بِدَرَجَةِ كَرَامَةٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَفَرْقُ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْأُولَى لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْفِعْلِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا الْوَاجِبُ فَبَقِيَ شَرْطًا مَحْضًا فَلَمْ يُشْتَرَطْ دَوَامُهَا لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ

ــ

[كشف الأسرار]

تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ قَائِمًا يَقْضِيهَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مُضْطَجِعًا وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مُضْطَجِعًا يَقْضِيهَا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ قَائِمًا لَا مُضْطَجِعًا فَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقُدْرَةُ حَالَةَ الْبَقَاءِ وَلَمْ يَكُنْ حَالَ الْبَقَاءِ مَنْظُورًا إلَيْهَا فِي ذَلِكَ لَكَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

، وَبَعْضُ الْحُذَّاقِ مِنْ تَلَامِذَةِ شَيْخِنَا كَانَ يَقُولُ لَا فَرْقَ فِي اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إذَا كَانَ مَطْلُوبًا بِنَفْسِهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ الَّتِي هِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ نَفْسُ التَّوَهُّمِ لَا غَيْرُ عَلَى مَا مَرَّ فَكَذَا الْقَضَاءُ إذَا كَانَ الْفِعْلُ مِنْهُ مَقْصُودًا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ فِيهِ مَقْصُودًا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوَهُّمُ أَيْضًا فَفِي النَّفَسِ الْأَخِيرِ إنَّمَا يَبْقَى عَلَيْهِ وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمُتَكَثِّرَةِ وَالصِّيَامَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِنَاءً عَلَى تَوَهُّمِ الِامْتِدَادِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْمُؤَاخَذَةِ كَمَا إنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَثْبُتُ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى التَّوَهُّمِ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْقَضَاءِ وَكَانَ يُخْرِجُ الْفُرُوعَ وَيَقُولَ إنَّمَا يَبْقَى الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ فَوَاتِ الْقُدْرَةِ لِتَوَهُّمِ حُدُوثِ الْقُدْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَمْ تُشْتَرَطْ لِلْبَقَاءِ.

وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ يَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْقُدْرَةِ كَالْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ تَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى تَوَهُّمِ حُدُوثِ الْقُدْرَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَالِ وَانْتِقَالِ الْحُكْمِ إلَى الصَّوْمِ مَا يُؤَدِّي بِهِ الْكَفَّارَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ وَلَوْ كَانَ بَقَاءُ الْقُدْرَةِ شَرْطًا لِبَقَائِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْكَفَّارَةُ بِالْمَالِ بَعْدَ سُقُوطِهَا بِفَوَاتِ الْمَالِ كَمَا لَوْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ ثُمَّ مَلَكَ الْمَالَ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِهَلَاكِ الْمَالِ لِتَعَيُّنِ الْمَحِلِّ حَتَّى لَوْ سُرِقَ مَالُ الزَّكَاةِ أَوْ صَارَ ضِمَارًا سَقَطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ وَلَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ سِنِينَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ وَلَكِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَكَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَعَلِّقٌ بِنَمَاءٍ مُتَعَيِّنٍ فَبِهَلَاكِهِ لَمْ يَبْقَ التَّوَهُّمُ وَكَانَ يَقُولُ لَا أَجِدُ فَرْقًا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عِنْدَ الْفِعْلِ وَيَكْفِي قَبْلَهُ التَّوَهُّمُ.

وَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ فِي الْقَضَاءِ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ أَنَّ الْأَدَاءَ إنَّمَا يَفُوتُ مَضْمُونًا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمِثْلِ حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْ الْمِثْلِ سَقَطَ كَمَا فِي سُقُوطِ فَضْلِ الْوَقْتِ وَغَصْبِ الْمَنَافِعِ وَإِتْلَافِ مِلْكِ النِّكَاحِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقُدْرَةُ شَرْطًا فِي الْقَضَاءِ لَمَا سَقَطَ بِالْعَجْزِ إلَّا أَنَّ مَا وَجَبَ بِالْقُدْرَةِ الْمُمَكِّنَةِ يَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ لِتَوَهُّمِ الْقُدْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ تَحَقَّقَ التَّوَهُّمُ وَجَبَ الْفِعْلُ وَإِلَّا ظَهَرَ أَثَرُهُ فِي الْمُؤَاخَذَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.

وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ التَّفْرِيطِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمَشْرُوطَةَ لِابْتِدَاءِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ يُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ وُجُودِ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُ الْأَدَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا كَلَّفَ أَدَاءَ مَا لَيْسَ فِي الْقُدْرَةِ وَأَسْقَطَ بِالْحَرَجِ كَثِيرًا مِنْ حُقُوقِهِ وَالْأَدَاءُ حَقِيقَتُهُ وَقْتَ الْفِعْلِ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِلْأَدَاءِ وَقْتَ الْفِعْلِ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّا نَشْتَرِطُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّوَضُّؤِ بِالْمَاءِ حِينَ الْمُبَاشَرَةِ وَقِيَامَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ قَائِمًا حِينَ الْأَدَاءِ لَا حِينَ الْوُجُوبِ

[الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ وَالْمُمَكَّنَة]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْكَامِلُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ) أَيْ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الْوَاجِبَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَيَزْدَادُ حُسْنًا بِاشْتِرَاطِهِ الْقُدْرَةَ الْمُيَسِّرَةَ، وَهَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَى الْأُولَى وَهِيَ الْمُمَكِّنَةُ بِدَرَجَةٍ؛ لِأَنَّ بِهَا يَثْبُتُ الْإِمْكَانُ ثُمَّ الْيُسْرُ، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ فِي أَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْبَدَنِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهَا أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْعِبَادَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>