للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ

ــ

[كشف الأسرار]

قُيِّدَ الْجَوَابُ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَمَا صَحَّ الْحَدِيثُ لِأَنَّ سُقُوطَ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمَيِّتِ بِأَدَاءِ الْوَرَثَةِ طَرِيقَةُ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَالْعِلْمُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلِهَذَا قُيِّدَ الْجَوَابُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إذَا طَافَ أَوْ وَقَفَ مُتَطَوِّعًا يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ عَقْدَ الْإِحْرَامِ قَدْ انْعَقَدَ لِلْفَرْضِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلنِّيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ هُوَ النِّيَّةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ جَامِعٌ كَمَا لَوْ سَجَدَ سَجْدَةً فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ انْعَقَدَتْ لِلْفَرْضِ وَالنِّيَّةُ تُعْتَبَرُ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ (فَإِنْ قِيلَ) مَا ذَكَرْتُمْ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ وَمَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ أَخٌ لِي أَوْ صَدِيقٌ لِي فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحَجَجْت عَنْ نَفْسِك فَقَالَ لَا فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حُجَّ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» (قُلْنَا) لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ لِلتَّعْلِيمِ عَلَى سَبِيلِ الْأَدَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْحَجَّ وَلَمْ يَقُلْ أَنْتَ حَاجٌّ عَنْ نَفْسِك وَكَانَ هَذَا حِينَ كَانَ الْخُرُوجُ عَنْهُ مُمْكِنًا بِالْعُمْرَةِ فَانْتُسِخَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عَنْ الْوَقْتِ فَعَلَى التَّرَاخِي) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ قَالَ بِالتَّكْرَارِ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِالْفَوْرِ لَا مَحَالَةَ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْوَقْفِ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا عَلَى التَّرَاخِي إلَّا بِدَلِيلٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا عَلَى الْفَوْرِ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْجِيلُ الْفِعْلِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا عَلَى التَّرَاخِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ فِيهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ تَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِالْفَوْرِ بِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْفِعْلِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ فِيهِ يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ فَجَوَازُ تَأْخِيرِهِ عَنْهُ نَقْضٌ لِوُجُوبِهِ إذْ الْوَاجِبُ مَا لَا يَسَعُ تَرْكُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَأْخِيرَهُ تَرْكٌ لِفِعْلِهِ فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ فَثَبَتَ أَنَّ فِي التَّأْخِيرِ نَقْضَ الْوُجُوبِ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ تَفْوِيتٌ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي أَوْ لَا يَقْدِرُ وَبِالِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَدَاءِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ مُعَارِضًا لِلْمُتَيَقَّنِ بِهِ فَيَكُونُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ تَفْوِيتًا وَلِهَذَا يُسْتَحْسَنُ ذَمُّهُ عَلَى ذَلِكَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ وَلِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْأَمْرِ اعْتِقَادُ الْوُجُوبِ وَأَدَاءُ الْفِعْلِ وَأَحَدُهُمَا وَهُوَ الِاعْتِقَادُ يَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ لِلْحَالِ فَكَذَلِكَ الثَّانِي وَاعْتُبِرَ الْأَمْرُ بِالنَّهْيِ وَالِانْتِهَاءُ الْوَاجِبُ بِالنَّهْيِ يَثْبُتُ عَلَى الْفَوْرِ فَكَذَا الِائْتِمَارُ الْوَاجِبُ بِالْأَمْرِ وَتَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِالتَّرَاخِي بِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ مَا وُضِعَتْ إلَّا لِطَلَبِ الْفِعْلِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَلَا تُفِيدُ زِيَادَةً عَلَى مَوْضُوعِهَا كَسَائِرِ الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْأَشْيَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ افْعَلْ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْوَقْتِ بِوَجْهٍ كَمَا لَا تَعَرُّضَ لِقَوْلِهِ فَعَلَ وَيَفْعَلُ عَلَى زَمَانٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ وَمُتَقَدِّمٍ أَوْ مُتَأَخِّرٍ فَكَمَا لَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ بِزَمَانٍ لَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْأَمْرِ بِهِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّقْيِيدَ فِي الْمُطْلَقِ يَجْرِي مَجْرَى النَّسْخِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَان يَزِيدُ مَا قُلْنَا إيضَاحًا أَنَّ مَدْلُولَ الصِّيغَةِ طَلَبُ الْفِعْلِ وَالْفَوْرُ وَالتَّرَاخِي

<<  <  ج: ص:  >  >>