للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْلُ الشَّرْعِ هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَصِّرَ فِي هَذَا الْأَصْلِ بَلْ يَلْزَمُهُ مُحَافَظَةُ النَّظْمِ وَمَعْرِفَةُ أَقْسَامِهِ وَمَعَانِيهِ مُفْتَقِرًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَعِينًا بِهِ رَاجِيًا أَنْ يُوَفِّقَهُ بِفَضْلِهِ.

أَمَّا الْخَاصُّ فَكُلُّ لَفْظٍ وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ

ــ

[كشف الأسرار]

يَتَمَيَّزُ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَلَا يُقَالُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ ثَابِتٌ فِي الْعَقْلِ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِصِحَّةِ التَّقْسِيمِ، لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ فِي التَّقْسِيمِ إذْ التَّكَلُّفُ إلَى هَذَا الْحَدِّ فِي التَّقْسِيمِ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِنَّك لَا تَجِدُ تَقْسِيمًا فِي نَوْعٍ مِنْ الْعُلُومِ خُصُوصًا فِي الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَثَبَتَ أَنَّ تَقْسِيمَ الْكِتَابِ عَلَى ثَمَانِينَ قِسْمًا غَيْرُ مُتَّضِحٍ بَلْ الْأَقْسَامُ عِشْرُونَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَلَكِنْ لِكُلِّ قِسْمٍ مَعْنًى وَحُكْمٌ وَتَرْتِيبٌ وَلِاسْمِهِ مَأْخَذٌ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِهَا عِشْرِينَ قِسْمًا كَلَامًا أَيْضًا.

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ قِسْمٌ خَامِسٌ أَنَّهُ قَسِيمُ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ لِمَا ذَكَرْنَا بَلْ أَرَادَ أَنَّ مَعْرِفَةَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ فَكَأَنَّهُ قِسْمٌ خَامِسٌ لَهَا، وَهُوَ كَمَا يُقَالُ الْمُفَصَّلُ هُوَ السُّبْعُ الثَّامِنُ مِنْ الْكَشَّافِ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْكَشَّافِ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ مِنْهُ حَقِيقَةً.

قَوْلُهُ (وَأَصْلُ الشَّرْعِ هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ) خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ تُوجَدُ فِيهِمَا دُونَ الْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ تَثْبُتُ بِهِمَا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ لِلْبَاقِي عَلَى مَا قِيلَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ وَقَوْلُ الرَّسُولِ لَيْسَ بِحُكْمٍ بَلْ هُوَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَالْكِتَابُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ هُوَ أَصْلَ الْكُلِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنَّا لَا نَعْرِفُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِقَوْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّا لَا نَسْمَعُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ جَبْرَائِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَكُونُ مَعْرِفَةُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى قَوْلِ الرَّسُولِ فَيَكُونُ هُوَ الْأَصْلُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَفَرْعٌ لَهُمَا ثُبُوتًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ أَصْلًا مُطْلَقًا، ثُمَّ قَالَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَصِّرَ فِي هَذَا الْأَصْلِ، أَيْ الْكِتَابِ وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ مَعَ سَبْقِ ذِكْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ فِي بَيَانِ الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ؛ فَلِهَذَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ، وَمُحَافَظَةُ النَّظْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ الْحِفْظِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النِّسْيَانِ أَيْ يَحْفَظُهُ وَيَضْبِطُ أَقْسَامَهُ وَمَعَانِيَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ الْمُحَافَظَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ التَّرْكِ وَالتَّضْيِيعِ أَيْ بِجَعْلِهِ نُصْبَ عَيْنِهِ وَأَمَامَ نَفْسِهِ جَاهِدًا فِي مَعْرِفَةِ أَقْسَامِهِ وَمَعَانِيهِ غَيْرِ مُجَاوِزٍ عَنْ حُدُودِهِ، وَقَوْلُهُ مُفْتَقِرًا مُسْتَعِينًا رَاجِيًا أَحْوَالٌ عَنْ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي يَلْزَمُهُ.

[تَعْرِيف الْخَاصُّ]

قَوْلُهُ (أَمَّا الْخَاصُّ إلَى آخِرِهِ) فَقَوْلُهُ كُلُّ لَفْظٍ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمُسْتَعْمَلَاتِ وَالْمُهْمَلَاتِ وَمَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ بِالطَّبْعِ كَأَخِ عَلَى الْوَجَعِ وَأَحْ عَلَى السُّعَالِ، وَهُوَ جَارٍ مَجْرَى الْجِنْسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ذَكَرْنَا، فَبِقَوْلِهِ وُضِعَ لِمَعْنًى، خَرَجَ غَيْرُ الْمُسْتَعْمَلَاتِ عَنْ الْحَدِّ، وَالْمُرَادُ بِالْوَضْعِ، وَهُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى أَوْ تَعْيِينُ اللَّفْظَةِ بِإِزَاءِ مَعْنًى بِنَفْسِهَا لَازَمَتْهُ، وَهِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَعْنَى النَّاشِئَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ، وَبِقَوْلِهِ وَاحِدٍ خَرَجَ، الْمُشْتَرَكُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ وَخَرَجَ الْمُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْمُطْلَقَ خَاصًّا وَلَا عَامًّا، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ لِلْوَحْدَةِ وَلَا لِلْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الصِّفَاتِ، وَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ، وَبِقَوْلِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ، خَرَجَ الْعَامُّ، فَإِنَّهُ وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ شَامِلٍ لِلْأَفْرَادِ إذْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ كَوْنُ اللَّفْظِ مُتَنَاوِلًا لِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>