للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذِهِ فِي احْتِمَالِ الْخُصُوصِ مِثْلُ مَنْ كَلِمَةٌ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاحِدَةً أَوْ اثْنَيْنِ لِمَا قُلْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ كَلِمَةُ مَا بِمَعْنَى مَنْ وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ مَوْضُوعَةٌ غَيْرُ مَعْلُولَةٍ.

وَقِسْمٌ آخَرُ النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُهُ مِثْلُ مَا قُلْنَا فِي كَلِمَةِ كُلٍّ وَدَلَائِلُ عُمُومِهَا ضُرُوبٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي النَّفْيِ تَعُمُّ وَفِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ دَلِيلُ الْعُمُومِ وَذَلِكَ ضَرُورِيٌّ لَا لِمَعْنًى فِي صِيغَةِ الِاسْمِ وَذَلِكَ أَنَّك إذَا قُلْت مَا جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَدْ نَفَيْت مَجِيءَ رَجُلٍ وَاحِدٍ نَكِرَةٍ وَمِنْ ضَرُورَةِ نَفْيِهِ نَفْيُ الْجُمْلَةِ لِيَصِحَّ عَدَمُهُ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَا يُوجِبُ مَجِيءَ غَيْرِهِ ضَرُورَةً فَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ دَلَائِلِ الْعُمُومِ.

ــ

[كشف الأسرار]

الْعُمُومِ عَلَى نَحْوِ مَا فِي الْكَلِمَتَيْنِ حَتَّى إذَا قَالَ إنْ كَانَ الَّذِي فِي بَطْنِك غُلَامًا كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا وَكَذَا حُكْمُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ بِمَعْنَى الَّذِي حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ الضَّارِبُ مِنْكُمْ زَيْدًا حُرٌّ أَوْ قَالَ لِنِسْوَتِهِ الضَّارِبَةُ مِنْكُنَّ زَيْدًا طَالِقٌ فَاَلَّذِي ضَرَبَ مِنْهُمْ يَعْتِقُ وَكَذَا الَّتِي ضَرَبَتْ تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ بِمَعْنَى الَّذِي وَاَلَّتِي مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَذَا فِي كِتَابِ بَيَانِ حَقَائِقِ وَحُرُوفِ الْمَعَانِي.

قَوْلُهُ (وَهَذِهِ) أَيْ كَلِمَةُ مَا فِي احْتِمَالِ الْخُصُوصِ مِثْلُ كَلِمَةِ مَنْ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ مُبْهَمَةً كَهِيَ فَلِإِبْهَامِهَا تَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ. وَعَلَى هَذَا أَيْ وَعَلَى احْتِمَالِ الْخُصُوصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى احْتِمَالِ الْعُمُومِ عِنْدَهُمَا تَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ.

فَعَلَى قَوْلِهِمَا تَجْرِي هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَى عُمُومِهَا وَتُجْعَلُ كَلِمَةُ مَنْ لِتَمْيِيزِ هَذَا الْعَدَدِ مِنْ الْأَعْدَادِ أَيْ أَوْقِعِي مِنْ هَذَا الْعَدَدِ مَا شِئْت لَا مِنْ الْأَعْدَادِ الَّتِي فَوْقَهُ وَيَصِحُّ هَذَا التَّمْيِيزُ وَإِنْ كَانَ مَا فَوْقَهُ مِنْ الْأَعْدَادِ فِي الطَّلَاقِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ فَلَا تَعْتَمِدُ عَلَى وُجُودِهِ شَرْعًا كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفًا إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ يَقَعُ وَاحِدَةً وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ كَذَا هُنَا. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجْعَلُ حَرْفُ مَنْ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أُعْتِقُ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شِئْت وَكَلِمَةُ مَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ وَقَدْ عَارَضَهَا حَرْفُ التَّبْعِيضِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ وَهُوَ التَّبْعِيضُ ثُمَّ يُعْمَلُ بِالْعُمُومِ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ لِيَحْصُلَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْكَلِمَتَيْنِ كَمَا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ كَلِمَةُ مَا بِمَعْنَى مَنْ) يَعْنِي مَا بَيَّنَّا مِنْ مَعْنَى الْكَلِمَتَيْنِ بَيَانُ الْحَقِيقَةِ فَأَمَّا كَلِمَةُ مَا فَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى كَلِمَةِ مَنْ مَجَازًا كَقَوْلِهِمْ سُبْحَانَ مَا سَبَّحَ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَسُبْحَانَ مَا سَخَّرَكُنَّ لَنَا. وقَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: ٥] . أَيْ وَمَنْ بَنَاهَا فِي قَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ. وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أُوثِرَتْ كَلِمَةُ مَا عَلَى مَنْ لِإِرَادَةِ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَالْقَادِرُ الْعَظِيمُ الَّذِي بَنَاهَا. وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ كَلِمَةُ مَنْ بِمَعْنَى مَا أَيْضًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى. {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: ٤٥] .

وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ. {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} [النحل: ١٧] . إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ خَصَّ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيَانِ كَلِمَةِ مَا وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ. وَقَدْ قِيلَ اُخْتِيرَ لَفْظُ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ. {خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ} [النور: ٤٥] . دَخَلَ فِيهِ الْعُقَلَاءُ وَغَيْرُهُمْ فَحَسُنَ تَغْلِيبُ الْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَكَذَا الْخَلْقُ فِعْلُ مَنْ يَعْقِلُ فَنَاسَبَ كَلِمَةَ مَنْ أَوْ مَعْنَاهُ وَمَنْ يَخْلُقُ لَيْسَ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ فَكَيْفَ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ. أَوْ الْكَلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ الْكُفَّارِ فَلِذَلِكَ قِيلَ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ دُونَ مَا.

قَوْلُهُ (وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ مَوْضُوعَةٌ غَيْرُ مَعْلُولَةٍ) الْعَامُّ مَعْنًى لَا صِيغَةً قِسْمَانِ قِسْمٌ ثَبَتَ عُمُومُهُ بِالْوَضْعِ وَقِسْمٌ ثَبَتَ عُمُومُهُ بِعَارِضٍ يَلْحَقُ بِهِ فَقَوْلُهُ وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ مَوْضُوعَةٌ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَذْكُورَةَ كَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وَمَنْ وَمَا وَكُلٍّ وَجَمِيعٍ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.

[الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً]

[النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي فَقَالَ وَقِسْمٌ آخَرُ أَيْ مِنْ الْعَامِّ مَعْنًى لَا صِيغَةً النَّكِرَةُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا دَلِيلُ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْعُمُومَ كَمَا قُلْنَا فِي كَلِمَةِ كُلٍّ فَإِنَّهَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّكِرَةِ أَوْجَبَتْ عُمُومَهَا وَإِنْ كَانَتْ النَّكِرَةُ فِي ذَاتِهَا خَاصَّةً إذْ هِيَ اسْمٌ وُضِعَ لِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجُمْلَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَيْ بَيَانُ عُمُومِهَا عِنْدَ اتِّصَالِ دَلِيلِ الْعُمُومِ بِهَا أَنَّهَا فِي النَّفْيِ تَعُمُّ سَوَاءٌ دَخَلَ حَرْفُ النَّفْيِ عَلَى نَفْسِهَا كَقَوْلِك

<<  <  ج: ص:  >  >>