للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَطَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ الِاتِّصَالُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَذَلِكَ بِطَرِيقَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا الِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا صُورَةً أَوْ مَعْنًى

ــ

[كشف الأسرار]

فِي نَفْسِهِ وَجَوَابُ الْقَسَمِ أَيْضًا إنْ جَازَ ذَلِكَ كَلَأُكْرِمَنَّكَ فِي قَوْلِك وَاَللَّهِ إنْ أَكْرَمْتَنِي لَأُكْرِمَنَّكَ جَوَابُ الْقَسَمِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ إيجَابَ الصَّوْمِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ كَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصْلُحَ جَوَابًا لِلْقَسَمِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى.

وَذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ يَمِينٌ بِمُوجِبِهِ أَنَّ الصَّوْمَ قَبْلَ صُدُورِ هَذِهِ الصِّيغَةِ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ فَبِالنَّذْرِ يَصِيرُ وَاجِبًا وَبِالْيَمِينِ أَيْضًا يَصِيرُ وَاجِبًا فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَ الْوُجُوبَ لِغَيْرِهِ كَمَا يَثْبُتُ لِعَيْنِهِ وَإِرَادَةُ الْيَمِينِ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ صِيغَةِ النَّذْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْيَمِينَ يَكُونُ يَمِينًا فَعُلِمَ أَنَّ إرَادَةَ الْوُجُوبِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ صَحِيحَةٌ فَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ حَصَلَ هَهُنَا دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِعَيْنِهِ وَهُوَ الصِّيغَةُ وَالْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِغَيْرِهِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِعَيْنِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ ظُهْرَ هَذَا الْيَوْمِ يَصِيرُ وَاجِبًا لِغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ حَتَّى لَوْ فَاتَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فَكَذَا هَذَا. وَلَا يُقَالُ مُوجِبُ هَذَا الْكَلَامِ الْوُجُوبُ لَا الْإِيجَابُ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ إيجَابًا.؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا سَمَّاهُ إيجَابًا مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِيجَابِ مِنْ الشَّرْعِ فَيَثْبُتُ الْإِيجَابُ بِهِ اقْتِضَاءً فَسُمِّيَ الْوُجُوبُ إيجَابًا بِوَاسِطَةِ أَنَّهُ مُقْتَضَاهُ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُوجِبِ الْمَعْنَى أَيْ هُوَ يَمِينٌ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِيجَابُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْجَوَامِعِ: فَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ فَقَدْ نَوَى مَا هُوَ مَعْنَى النَّذْرِ.

[طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ]

قَوْلُهُ (وَطَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ) كَذَا اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ فِي اصْطِلَاحِ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ عِبَارَةٌ عَنْ نَوْعٍ مِنْ الْمَجَازِ وَهِيَ أَنْ تَذْكُرَ أَحَدَ طَرَفَيْ التَّشْبِيهِ وَتُرِيدُ الطَّرَفَ الْآخَرَ مُدَّعِيًا دُخُولَ الْمُشَبَّهِ فِي جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ دَالًا عَلَى ذَلِكَ بِإِثْبَاتِك لِلْمُشَبَّهِ مَا يَخُصُّ الْمُشَبَّهَ بِهِ كَمَا تَقُولُ فِي الْحَمَّامِ أَسَدٌ وَأَنْتَ تُرِيدُ الشُّجَاعَ مُدَّعِيًا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأُسُودِ فَيَثْبُتُ لِلشُّجَاعِ مَا يَخُصُّ الْمُشَبَّهَ بِهِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسِهِ مَعَ سَدِّ طَرِيقِ التَّشْبِيهِ بِأَفْرَادِهِ فِي الذِّكْرِ. وَإِنَّمَا سَمُّوا هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمَجَازِ اسْتِعَارَةً لِلتَّنَاسُبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مَتَى ادَّعَى فِي الْمُشَبَّهِ كَوْنَهُ دَاخِلًا فِي حَقِيقَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهَا بَرَزَ فِيمَا صَادَفَ مِنْ جَانِبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي مَعْرِضِ نَفْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ الدَّعْوَى بُرُوزَ الْمُسْتَعِيرِ مَعَ الثَّوْبِ الْمُسْتَعَارِ فِي مَعْرِضِ الْمُسْتَعَارِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا فَتَّشَ مَالِكٌ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالشُّجَاعُ حَالَ دَعْوَى كَوْنِهِ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ حَقِيقَةِ الْأَسَدِ يَكْتَسِي اسْمَ الْأَسَدِ اكْتِسَاءَ الْهَيْكَلِ الْمَخْصُوصِ إيَّاهُ نَظَرًا إلَى الدَّعْوَى. وَذَكَرَ فِي نِهَايَةِ الْإِيجَازِ أَنَّ الْمَجَازَ أَعَمُّ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ نَقْلِ الِاسْمِ عَنْ أَصْلِهِ إلَى غَيْرِهِ لِلتَّشْبِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى حَدِّ الْمُبَالَغَةِ وَلَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ لِلتَّشْبِيهِ. وَأَيْضًا لَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ مِنْ بَابِ الْبَدِيعِ وَكُلُّ اسْتِعَارَةٍ فَهِيَ مِنْ الْبَدِيعِ فَلَا يَكُونُ كُلُّ مَجَازٍ اسْتِعَارَةً. . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَارِيَّةَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا عِنْدَهُ فَإِذَا قُلْت رَأَيْت أَسَدًا فَقَدْ أَثْبَتَّ الْأَسَدِيَّةَ لِلرَّجُلِ فَقَدْ حَصَلَ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا كَانَ حَاصِلًا لِلْمُعِيرِ فَظَهَرَ وُجُوبُ تَخْصِيصِ اسْمِ الِاسْتِعَارَةِ بِمَا كَانَ النَّقْلُ لِأَجْلِ التَّشْبِيهِ عَلَى حَدِّ الْمُبَالَغَةِ وَلَكِنَّهَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ مُطْلَقِ الْمَجَازِ يَعْنِي الْمُرَادِفَ لَهُ كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ إيَّاهُ أَنَّ اللَّفْظَ اُسْتُعِيرَ عَنْ مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>