للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي التَّكَلُّمِ لَا فِي الْحُكْمِ بَلْ هُوَ فِي الْحُكْمِ أَصْلٌ.

ــ

[كشف الأسرار]

الِاسْتِعَارَةُ كَمَا فِي الْحُرِّ.

وَصَارَ هَذَا أَيْ عَدَمُ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْمَحِلِّ نَظِيرَ الْبَيْعِ الْمُسْتَعَارِ لِلنِّكَاحِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ أَيْ فِي مَحَلِّ النِّكَاحِ وَهِيَ الْمَحْرَمُ مِنْ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَحَلَّ حَقِيقَةِ النِّكَاحِ لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا لِمَا يُسْتَعَارُ لِلنِّكَاحِ أَيْضًا وَهُوَ الْبَيْعُ فَكَذَلِكَ الْمَنَافِعُ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ لِإِضَافَةِ الْإِجَارَةِ إلَيْهَا لَمْ يَصْلُحْ لِإِضَافَةِ مَا يُسْتَعَارُ لِلْإِجَارَةِ أَيْضًا وَهُوَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَقْوَى مِنْ الْمُسْتَعَارِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْفَسَادَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ لَا لِفَسَادِ الِاسْتِعَارَةِ.

[الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ لَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ]

قَوْلُهُ (الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي التَّكَلُّمِ) إلَى آخِرِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ فَوَاتِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ، وَلِهَذَا يَحْتَاجُ الْمَجَازُ إلَى الْقَرِينَةِ وَالْحَقِيقَةُ لَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا.

وَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْخَلَفِ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ مِنْ الْإِضَافِيَّاتِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَصْلِ كَالِابْنِ مَعَ الْأَبِ. وَإِنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ كَمَا أَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْخَلَفِ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ فَوَاتِ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.

وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ لَا مِنْ أَوْصَافِ الْمَعَانِي، وَلِهَذَا قَالُوا الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ وَكَذَا وَالْمَجَازُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي كَذَا. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْخَلَفِيَّةَ فِي التَّكَلُّمِ بِأَنْ صَارَ التَّكَلُّمُ بِلَفْظِ الْمَجَازِ خَلَفًا عَنْ التَّكَلُّمِ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِنَاءً عَلَى صِحَّتِهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَادِ لَا خَلَفًا عَنْ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ. أَوْ فِي الْحُكْمِ بِأَنْ تَعَذَّرَ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ بِعَارِضٍ فَصَيَّرَ إلَى الْمَجَازِ لِإِثْبَاتِ لَازِمِ الْحَقِيقَةِ خَلَفًا عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهَا احْتِرَازًا عَنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي التَّكَلُّمِ وَقَالَا هُوَ خَلَفٌ عَنْهَا فِي الْحُكْمِ. وَيَتَّضِحُ لَك مَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ لِلشُّجَاعِ هَذَا أَسَدٌ فَعِنْدَهُمَا هُوَ خَلَفٌ فِي إثْبَاتِ الشَّجَاعَةِ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا أَسَدٌ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ لِإِثْبَاتِ الْهَيْكَلِ الْمَخْصُوصِ. وَمَا قَرَعَ سَمْعَك أَنَّ حُكْمَ الْمَجَازِ خَلَفٌ عَنْ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمَا فَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْخَلَفِيَّةَ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ بِالِاتِّفَاقِ لَا بَيْنَ شَجَاعَةِ الشُّجَاعِ وَالْهَيْكَلِ الْمَعْلُومِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّكَلُّمُ بِقَوْلِهِ هَذَا أَسَدٌ لِلشُّجَاعِ خَلَفٌ عَنْ التَّكَلُّمِ بِقَوْلِهِ هَذَا أَسَدٌ لِلْهَيْكَلِ الْمَعْلُومِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي ثُبُوتِ الْخَلَفِيَّةِ إلَى الْحُكْمِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ وَهُوَ الشَّجَاعَةُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّكَلُّمِ لَا خَلَفًا عَنْ شَيْءٍ كَمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّكَلُّمِ.

وَقَوْلُهُ لِعَبْدِهِ الَّذِي يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ هَذَا ابْنِي فَعِنْدَهُمَا هُوَ خَلَفٌ فِي إثْبَاتِ الْعِتْقِ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي لِابْنِهِ الْحَقِيقِيِّ فِي إثْبَاتِ الْبُنُوَّةِ وَالْعِتْقِ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَفْسُ التَّكَلُّمِ بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنِي خَلَفٌ عَنْ التَّكَلُّمِ بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنِي فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّكَلُّمِ كَمَا يَثْبُتُ الْبُنُوَّةُ وَالْعِتْقُ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْكَلَامِ. لَهُمَا أَمْ الْحُكْمُ هُوَ الْمَقْصُودُ لَا نَفْسُ الْعِبَارَةِ فَاعْتِبَارُ الْخَلَفِيَّةِ وَالْأَصَالَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِهِمَا فِيمَا هُوَ وَسِيلَةٌ وَهِيَ الْعِبَارَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَجَعْلُ الْمَجَازِ خَلَفًا عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي التَّكَلُّمِ الَّذِي هُوَ اسْتِخْرَاجُ اللَّفْظِ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَا؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يَجْرِيَانِ فِي الْمَعَانِي. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ نَقْلٌ وَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى هُوَ تَمَامُ مَاهِيَّةِ الْمُسْتَعَارِ عَنْهُ وَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>