للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقَعُ عَلَى الْكَرْعِ خَاصَّةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ مُجَاوِرٍ لِلْفُرَاتِ وَذَلِكَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْأَوَانِي؛ لِأَنَّهَا دُونَ النَّهْرِ فِي الْإِمْسَاكِ.

(بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ)

وَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ قَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ وَقَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ سِيَاقِ النَّظْمِ وَقَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْمُتَكَلِّمِ وَقَدْ تُتْرَكُ بِدَلَالَةٍ فِي مَحَلِّ الْكَلَامِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمِثْلُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلدُّعَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٣] أَيْ اُدْعُ. ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا عِبَادَةٌ مَعْلُومَةٌ مَجَازًا لَمَّا أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلذِّكْرِ

ــ

[كشف الأسرار]

فَأَكَلَ الْخُبْزَ وَالثَّانِيَةَ أَنْ يَقُولَ لَا آكُلُ حِنْطَةً فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ سَوَاءٌ أَكَلَهَا نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا أَوْ مَبْلُولًا أَوْ مَقْلِيًّا وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالْعَجِينِ وَالْخُبْزِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ وَأَشَارَ إلَى صُبْرَةٍ فَأَكَلَ مِنْ دَقِيقِهَا أَوْ عَجِينِهَا أَوْ خُبْزِهَا لَا يَحْنَثُ لِتَبَدُّلِ الِاسْمِ.

وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الْإِشَارَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْحَمَلَ فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ حَنِثَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ بِخِلَافِ الْحَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ حَيًّا فَكَانَ يَمِينُهُ عَلَى لَحْمِهِ وَالْحِنْطَةُ يُمْكِنُ أَكْلُهَا حَبًّا فَكَانَ يَمِينُهُ عَلَى حَبِّهَا.

قَوْلُهُ (يَقَعُ عَلَى الْكَرْعِ خَاصَّةً) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ عَادَةً وَشَرْعًا فَإِنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّ بِقَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنٍّ وَإِلَّا كَرَعَنَا فِي الْوَادِي» وَذَلِكَ عَادَةُ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْقُرَى أَيْضًا وَإِذَا كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً كَانَ اللَّفْظُ مَحْمُولًا عَلَيْهَا دُونَ الْمَجَازِ وَعِنْدَ هُمَا يَقَعُ عَلَى شُرْبِ مَاءٍ يُجَاوِرُ الْفُرَاتَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ فِي الْعُرْفِ يُقَالُ بَنُو فُلَانٍ يَشْرَبُونَ مِنْ الْوَادِي أَوْ مِنْ الْفُرَاتِ وَيُرَادُ بِهِ مَاءٌ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَيُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُتَنَاوِلًا لِلْحَقِيقَةِ بِعُمُومِهِ وَالْأَخْذُ بِالْأَوَانِي لَا يَقْطَعُ هَذِهِ النِّسْبَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْأَنْهَارِ فِي إمْسَاكِ الْمَاءِ فَيَحْنَثُ بِالِاغْتِرَافِ وَالْكَرْعِ جَمِيعًا لِعُمُومِ الْمَجَازِ فَإِنْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ الْفُرَاتِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِثْلُ الْفُرَاتِ فِي إمْسَاكِ الْمَاءِ فَيَقْطَعُ الْمُجَاوَرَةَ عَنْهُ فَخَرَجَ عَنْ عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْكَرْعُ تَنَاوُلُ الْمَاءِ بِالْفَمِ مِنْ مَوْضِعِهِ يُقَالُ كَرَعَ الرَّجُلُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْإِنَاءِ إذَا مَدَّ عُنُقَهُ نَحْوَهُ لِيَشْرَبَهُ وَمِنْهُ كَرِهَ عِكْرِمَةُ الْكَرْعَ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْبَهِيمَةِ يُدْخِلُ فِيهِ أَكَارِعَهُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الصِّحَاحِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ يَكْرَعُ كُرُوعًا إذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ وَلَا بِإِنَاءٍ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى كَرِعَ بِالْكَسْرِ يَكْرَعُ كَرْعًا وَفِي الْأَسَاسِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ أَدْخَلَ فِيهِ أَكَارِعَهُ بِالْخَوْضِ فِيهِ لِيَشْرَبَ وَالْأَصْلُ فِي الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَشْرَبُ إلَّا بِإِدْخَالِ أَكَارِعِهَا فِيهِ. ثُمَّ قِيلَ لِلْإِنْسَانِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا شَرِبَ فِيهِ خَاضَ أَوْ لَمْ يَخُضْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ]

[دَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ]

{بَابُ جُمْلَةِ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ}

لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقَرَائِنِ الَّتِي يُصْرَفُ بِهَا الْكَلَامُ إلَى الْمَجَازِ فَقَالَ جُمْلَةُ مَا يُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ يَعْنِي بِهِ الشَّرْعِيَّاتِ.

وَالِانْحِصَارُ عَلَى الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ قَوْلُهُ (بِدَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ) . قِيلَ هُمَا مُتَرَادِفَانِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ شَرْعًا وَغَلَبَةُ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ حَتَّى صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ وَيُسَمَّى إذْ ذَاكَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً. وَمِنْ الْعَادَةِ نَقْلُهُ إلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ عُرْفًا وَاسْتِفَاضَتُهُ فِيهِ كَوَضْعِ الْقَدَمِ فِي قَوْلِهِ لَا أَضَعُ قَدَمِي فِي دَارِ فُلَانٍ وَيُسَمَّى حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِعْمَالُ رَاجِعًا إلَى الْقَوْلِ يَعْنِي إنَّهُمْ يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ دُونَ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ كَالصَّلَاةِ وَالدَّابَّةِ مَثَلًا فَإِنَّهُمَا لَا تُسْتَعْمَلَانِ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ إلَّا فِي الْأَرْكَانِ الْمَعْهُودَةِ وَالْفَرَسِ. وَالْعَادَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْفِعْلِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَدُلُّ سِيَاقُ كَلَامِ الشَّيْخِ قَوْلُهُ (فَإِنَّهَا اسْمٌ لِلدُّعَاءِ) الصَّلَاةُ الدُّعَاءُ لُغَةً قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ.

وَقَالَ الْأَعْشَى

<<  <  ج: ص:  >  >>