للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا فِي فَلِلظَّرْفِ وَعَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَلَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي حَذْفِهِ وَإِثْبَاتِهِ فِي ظُرُوفِ الزَّمَانِ وَهُوَ أَنْ تَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ وَقَالَاهُمَا سَوَاءٌ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا نَوَى آخِرَ النَّهَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ حَرْفَ الظَّرْفِ إذَا سَقَطَ اتَّصَلَ الطَّلَاقُ بِالْغَدِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَيَقَعُ فِي كُلِّهِ فَيَتَعَيَّنُ وَلَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي التَّأْخِيرِ وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ حَرْفُ الظَّرْفِ صَارَ مُضَافًا إلَى جُزْءٍ مِنْهُ مُبْهَمٍ فَيَكُونُ نِيَّتُهُ بَيَانًا لِمَا أَبْهَمَهُ فَيُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ إنْ صُمْت الدَّهْرَ فَعَلَيَّ كَذَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَإِنْ صُمْت فِي الدَّهْرِ يَقَعُ عَلَى سَاعَةٍ وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْمَكَانِ فَقِيلَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَكَانِ كَذَا وَقَعَ لِلْحَالِ

ــ

[كشف الأسرار]

لِأَنَّهُ إخْبَارٌ فَيَنْتَهِي صِحَّتُهُ عَلَى ثُبُوتِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَثُبُوتُ تِسْعَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْعَاشِرِ لِيَدْخُلَ تَحْتَهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

[مَعْنَى فِي]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا فِي فَلِلظَّرْفِ) هَذِهِ الْكَلِمَةُ تَجْعَلُ مَا تَدْخُلُ هِيَ عَلَيْهِ ظَرْفًا لِمَا قَبْلَهَا وَوِعَاءً لَهُ فَإِذَا قُلْت الْخُرُوجُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَخْبَرْت أَنَّ الْيَوْمَ قَدْ اشْتَمَلَ عَلَى الْخُرُوجِ وَصَارَ وِعَاءً لَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُك الرَّكْضُ فِي الْمَيْدَانِ وَزَيْدٌ فِي الدَّارِ هَذَا أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ ثُمَّ قِيلَ زَيْدٌ يَنْظُرُ فِي الْعِلْمِ وَأَنَا فِي حَاجَتِك مَجَازًا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْعِلْمَ جُعِلَ وِعَاءً لِنَظَرِهِ وَتَأَمُّلِهِ وَعَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا صَرَفَ الْعِنَايَةَ إلَى حَاجَتِهِ صَارَتْ كَأَنَّهَا قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ لِغَلَبَتِهَا عَلَى قَلْبِهِ وَهَمِّهِ وَعَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا أَيْ عَلَى أَنَّهَا لِلظَّرْفِ بُنِيَتْ مَسَائِلُ أَصْحَابِنَا فَإِذَا قَالَ غَصَبْتُك ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ أَوْ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ يَلْزَمُهُ كِلَاهُمَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِ مَظْرُوفٍ فِي ظَرْفٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِغَصْبِهِ إيَّاهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُمَا سَوَاءٌ أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَأَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ نَوَى آخِرَ النَّهَارِ فِي قَوْلِهِ فِي غَدٍ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّ حَذْفَ حَرْفِ فِي وَإِثْبَاتِهِ فِي الْكَلَامِ سَوَاءٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ خَرَجْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَوْلِهِ خَرَجْت فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَسَكَنْت الدَّارَ وَسَكَنْت فِي الدَّارِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ غَدًا وَنَوَى آخِرَ النَّهَارِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَكَذَا إذَا قَالَ فِي غَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ غَدًا مَعْنَاهُ فِي غَدٍ إلَّا أَنَّهُ حَذَفَ عَنْهُ حَرْفَ الظَّرْفِ اخْتِصَارًا فَكَانَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْحُكْمِ. وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِيمَا إذَا نَوَى آخِرَ النَّهَارِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ فِي غَدٍ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَفِي قَوْلِهِ غَدًا يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً.

عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي مَوْضِعِهِ أَيْ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمَبْسُوطِ أَنَّ الظَّرْفَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْفِعْلُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ اقْتَضَى اسْتِيعَابَهُ إنْ أَمْكَنَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَابَهَ الْمَفْعُولَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ مَعْمُولًا لِلْفِعْلِ وَمَنْصُوبًا بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا اتَّسَعَ فِي مِثْلِ هَذَا الظَّرْفِ وَلَمْ يُقَدَّرْ فِيهِ حَرْفَ فِي أَخَذَ حُكْمَ الْمَفْعُولِ بِهِ حَتَّى إذَا أَخْبَرْت عَنْهُ بِاَلَّذِي عَمِلْت بِهِ مَا عَمِلْت بِالْمَفْعُولِ بِهِ فَقُلْت فِي مِثْلِ قَوْلِك مُتَّسَعًا سِرْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ الَّذِي سِرْته يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا تَقُولُ الَّذِي ضَرَبْته زَيْدٌ وَلَمْ يَقُلْ الَّذِي سِرْت فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْفِعْلُ بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الظَّرْفِ اقْتَضَى وُقُوعَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الظَّرْفِيَّةِ الِاسْتِيعَابُ. وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ قُلْنَا إذَا قَالَ غَدًا وَنَوَى آخِرَ النَّهَارِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً لِأَنَّ الطَّلَاقَ اتَّصَلَ بِالْغَدِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَاقْتَضَى اسْتِيعَابَ الْغَدِ أَعْنِي كَوْنَهَا مَوْصُوفَةً بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِي أَوَّلِهِ لِيَحْصُلَ الِاسْتِيعَابُ فَإِذَا نَوَى آخِرَ النَّهَارِ فَقَدْ غَيَّرَ مُوجِبَ كَلَامِهِ إلَى مَا هُوَ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَكِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ فِي غَدٍ فَمُوجِبُ كَلَامِهِ الْوُقُوعُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْغَدِ مُبْهَمٍ وَإِلَيْهِ وِلَايَةُ التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ فَإِذَا نَوَى آخِرَ النَّهَارِ كَانَتْ نِيَّتُهُ تَعْيِينًا لِمَا أَبْهَمَهُ لَا تَغْيِيرًا لِلْحَقِيقَةِ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً كَمَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَإِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِعَدَمِ الْمُزَاحَمِ وَالسَّبْقِ فَلِذَلِكَ يَقَعُ فِيهِ.

ثُمَّ اسْتَوْضَحَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْفَرْقِ فَقَالَ وَذَلِكَ أَيْ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَا مِثْلُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ صُمْت الدَّهْرَ فَكَذَا. كَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ صَوْمَ جَمِيعِ الْعُمُرِ وَلَوْ قَالَ: إنْ صُمْت فِي الدَّهْرِ كَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ صَوْمَ سَاعَةٍ مَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ إلَى اللَّيْلِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ يُفْطِرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلِهِ (وَإِذَا أُضِيفَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>