للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقُلْنَا نَحْنُ: إنَّ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ وَجَبَتْ عَلَى الرَّجُلِ بِالْمُوَاقَعَةِ نَصًّا وَمَعْنَى الْفِطْرِ فِيهِ مَعْقُولٌ لُغَةً فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِهِ.

وَأَمَّا الْمُقْتَضِي فَزِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ ثَبَتَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَمَّا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهُ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ لِتَصْحِيحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَقَدْ اقْتَضَاهُ النَّصُّ

ــ

[كشف الأسرار]

بِتَرْكِ الْوَاجِبِ عَمْدًا. وَالْعَمْدُ لُغَةً مَا حَصَلَ مِنْ الْفِعْلِ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ مِنْ الْفَاعِلِ إلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ بِالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ فِي السَّهْوِ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي صَلَاتِهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْعَمْدِ وَزِيَادَةٌ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالدَّلَالَةِ. وَلَكِنَّا نَقُولُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ بِالنَّصِّ شَرْعًا هُوَ السَّهْوُ عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالسَّهْوُ يَنْعَدِمُ إذَا كَانَ عَامِدًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ السَّهْوُ دَلِيلَ الْعَمْدِ أَيْ الْوُجُوبُ فِي السَّهْوِ دَلِيلَ الْوُجُوبِ فِي الْعَمْدِ؛ لِمَا قُلْنَا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ أَنَّ وُجُوبَهَا فِي الْخَطَإِ وَالْمَعْقُودَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْعَمْدِ وَالْغَمُوسِ وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّجْدَةَ عِبَادَةٌ شُرِعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى جَبْرًا لِلْفَائِتِ فَلَا يَصْلُحُ الْمَحْظُورُ سَبَبًا لَهُ وَهُوَ تَأْخِيرُ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكُهُ عَمْدًا قَوْلُهُ (وَقُلْنَا نَحْنُ) إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْكَفَّارَةُ فِي قَوْلٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ حُكْمَ الْكَفَّارَةِ فِي جَانِبِهِ لَا فِي جَانِبِهَا فَلَوْ لَزِمَتْهَا لَبَيَّنَ كَمَا بَيَّنَ الْحَدَّ فِي جَانِبِهَا فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ. وَلِأَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ الْمُوَاقَعَةُ الْمُعْدِمَةُ لِلصَّوْمِ وَالرَّجُلُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِذَلِكَ دُونَهَا إذْ هِيَ مَحَلُّ الْمُوَاقَعَةِ وَلَيْسَتْ بِمُبَاشِرَةٍ لَهَا فَكَانَ فِعْلُهَا دُونَ فِعْلِ الرَّجُلِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ سَبَبَهُ الزِّنَا وَهِيَ مُبَاشِرَةٌ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا زَانِيَةً.

وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَيَتَحَمَّلُ الزَّوْجُ عَنْهَا إذَا كَانَتْ مَالِيَّةً؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِالْمُوَاقَعَةِ إذَا كَانَ بَدَنِيًّا اشْتَرَكَا فِيهِ كَالِاغْتِسَالِ، وَإِذَا كَانَ مَالِيًّا تَحَمَّلَ الزَّوْجُ عَنْهَا كَثَمَنِ مَاءِ الِاغْتِسَالِ.

فَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الرَّجُلِ بِالْمُوَاقَعَةِ وَمَعْنَى الْفِطْرِ الَّذِي هُوَ جِنَايَةٌ كَامِلَةٌ مَفْهُومٌ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْوِقَاعِ لُغَةً كَالْإِيذَاءِ مِنْ التَّأْفِيفِ وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي جَانِبِهَا كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي جَانِبِهِ فَتَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ كَمَا لَا يَلْزَمُهَا الْحَدُّ بِسَبَبِ الزِّنَا إذْ تَمْكِينُهَا فِعْلٌ كَامِلٌ فَإِنَّ الْحَدَّ مَعَ النُّقْصَانِ وَبَيَانُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي جَانِبِهِ بَيَانٌ فِي جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ كَفَّارَتَهُمَا وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْعَسِيفِ فَإِنَّ الْحَدَّ فِي جَانِبِهِ كَانَ الْجَلْدَ وَفِي جَانِبِهَا الرَّجْمَ وَلَا مَعْنَى لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ عُقُوبَةً أَوْ عِبَادَةً وَبِسَبَبِ النِّكَاحِ لَا تَجْرِي التَّحَمُّلُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي مُؤَنِ الزَّوْجِيَّةِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

[دَلَالَة الْمُقْتَضِي]

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمُقْتَضِي فَزِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ ثَبَتَ) أَيْ الْمُقْتَضِي أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَزِيدِ فَكَانَتْ الْجُمْلَةُ صِفَةً لَهَا.

وَانْتَصَبَ شَرْطًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ يَثْبُتُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ شَرْعًا.

وَقَوْلُهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَغْنِ أَيْ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عَنْهُ مُتَعَلِّقٌ يَثْبُتُ شَرْطًا. وَقَوْلُهُ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ مُسْتَأْنَفٌ. وَقَوْلُهُ فَقَدْ اقْتَضَاهُ النَّصُّ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لَهُ أَيْ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْمُقْتَضَى أَوْ تَقْدِيمُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لِأَجْلِ تَصْحِيحِ الْمَنْصُوصِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ النَّصَّ اقْتَضَاهُ أَيْ طَلَبَهُ.

أَوْ لَمَّا لَمْ يَسْتَغْنِ مُسْتَأْنَفٌ وَوَجَبَ تَقْدِيمُ جَوَابِهِ وَقَوْلُهُ فَقَدْ اقْتَضَاهُ النَّصُّ بَيَانُ تَسْمِيَتِهِ بِهَذَا الِاسْمِ يَعْنِي لَمَّا لَمْ يَسْتَغْنِ النَّصُّ عَنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَجَبَ تَقْدِيمُهَا لِيَصِحَّ فَكَانَ النَّصُّ مُقْتَضِيًا إيَّاهَا فَسُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ وَهُوَ الْمُقْتَضَى.

، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ بِهِ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>