للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ وَهَذَا عِنْدَنَا بَاطِلٌ لِأَنَّ النَّصَّ سَاكِتٌ عَنْ سَبَبِهِ وَالسُّكُوتَ لَا يَكُونُ حُجَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ عَامَّةَ الْحَوَادِثِ مِثْلُ الظِّهَارِ وَاللِّعَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَرَدَتْ مُقَيَّدَةً بِأَسْبَابٍ وَلَمْ تَخْتَصَّ بِهَا وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ عِنْدَنَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَزَاءِ فَيَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ وَالثَّانِي مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَالثَّالِثُ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَاحْتَمَلَ الِابْتِدَاءَ وَالرَّابِعُ مَا زِيدَ عَلَى قَدْرِ الْجَوَابِ فَكَانَ ابْتِدَاءً يَحْتَمِلُ الْبِنَاءَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمِثْلُ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ سَهَا فَسَجَدَ» وَرُوِيَ أَنَّ مَاعِزًا زَنَى فَرُجِمَ وَالْفَاءُ لِلْجَزَاءِ فَتَعَلَّقَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ

ــ

[كشف الأسرار]

وَهُوَ قَوْله تَعَالَى وَلَا تَقْبَلُوا مَعَ قِيَامِ دَلِيلِ الِانْفِصَالِ وَهُوَ كَوْنُهُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلْجَزَاءِ أَوْ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلتَّعْلِيلِ وَقُلْنَا نَحْنُ بِصِيغَةِ الْكَلَامِ أَيْ عَمِلْنَا بِمَا هُوَ مُوجَبُ الْكَلَامِ وَهُوَ أَنَّ الْقَذْفَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَالْعَجْزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ شَرْطٌ لَهُ بِصِفَةِ التَّرَاخِي يَعْنِي لَيْسَ الشَّرْطُ هُوَ الْعَجْزُ الْمُتَّصِلُ بِالْقَذْفِ فِي الْحَالِ لَكِنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْعَجْزُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ الْمُؤَقَّتَةِ إلَى آخِرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ إلَى مَا يَرَاهُ الْقَاضِي كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى فَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَصَارَ الْقَذْفُ حِينَئِذٍ فِسْقًا مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ لَا أَنَّهُ ظَهَرَ كَوْنُهُ جِنَايَةً مِنْ الْأَصْلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَذْفُ حِسْبَةٍ بِأَنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ وَلَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهَا لِمَوْتِهِمْ فِي مُدَّةِ الْمُهْلَةِ أَوْ لِغَيْبَتِهِمْ أَوْ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلِذَلِكَ يَقْتَصِرُ عَلَى حَالَةِ الْعَجْزِ وَالرَّدُّ حَدٌّ مُشَارِكٌ لِلْجَلْدِ فَيَثْبُتُ الرَّدُّ مُقَارِنًا لِلْجَلْدِ لِأَنَّهُ عَطْفٌ بِالْوَاوِ عَلَى الْجَلْدِ فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ لَكِنَّهُ يَثْبُتُ مُقَارِنًا لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرَاخِي وَالْعَجْزَ عَطْفٌ بِثُمَّ وَهِيَ تُوجِبُ التَّرَاخِي.

[الْعَامَّ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ]

قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ) إلَى آخِرِهِ اللَّفْظُ الْعَامُّ إذَا وَرَدَ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ السَّبَبُ سُؤَالَ سَائِلٍ أَوْ وُقُوعَ حَادِثَةٍ وَمَعْنَى الْوُرُودِ عَلَى سَبَبِ صُدُورِهِ عِنْدَ أَمْرٍ دَعَاهُ إلَى ذِكْرِهِ وَمَعْنَى الِاخْتِصَاصِ بِالسَّبَبِ اقْتِصَارُهُ عَلَيْهِ وَعَدَمُ تَعَدِّيهِ عَنْهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ وَالْقَفَّالِ وَأَبِي بَكْرٍ الدَّقَّاقِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّ السَّبَبَ إنْ كَانَ سُؤَالَ سَائِلٍ يَخْتَصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ وُقُوعَ حَادِثَةٍ لَا يَخْتَصُّ بِهِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالتَّخْصِيصِ مُطْلَقًا بِأَنَّ السَّبَبَ لَمَّا كَانَ هُوَ الَّذِي أَثَارَ الْحُكْمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَهُ تَعَلَّقَ بِهِ تَعَلُّقَ الْمَعْلُولِ بِالْعِلَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامًّا لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِ السَّبَبِ فَائِدَةٌ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ إلَّا اقْتِصَارُ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامًّا لَجَازَ تَخْصِيصُ السَّبَبِ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ الْعُمُومِ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ غَيْرِهِ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْعُمُومِ إلَى جَمِيعِ الصُّوَرِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَهُ مُتَسَاوِيَةٌ وَبِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُطَابِقًا بِالْمُسَاوَاةِ وَإِذَا أَجْرَيْنَاهُ عَلَى عُمُومِهِ لَمْ يَبْقَ مُطَابِقًا بَلْ يَصِيرُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ وَاحْتَجَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وُرُودِهِ بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ حَادِثَةٍ وَبَيْنَ وُرُودِهِ بِنَاءً عَلَى سُؤَالِ سَائِلٍ بِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا ابْتَدَأَ بَيَانَ الْحُكْمِ فِي حَادِثَةٍ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا سُئِلَ عَنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يُورِدْ الْكَلَامَ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ لِيَكُونَ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ وَكَوْنُهُ جَوَابًا عَنْهُ يَقْتَضِي قَصْرَهُ عَلَيْهِ وَحُجَّةُ الْعَامَّةِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلَّفْظِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِهِ دُونَ السَّبَبِ وَاللَّفْظَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ بِإِطْلَاقِهِ فَيَجِبُ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ عَنْهُ مَانِعٌ وَالسَّبَبُ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي عُمُومَهُ وَالْمَانِعُ هُوَ الْمُنَافِي يُبَيِّنُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَانِعًا لَكَانَ تَصْرِيحُ الشَّارِعِ بِإِجْرَائِهِ عَلَى الْعُمُومِ إثْبَاتَ الْعُمُومِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعُمُومِ وَهُوَ فَاسِدًا وَإِبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُخَصِّصِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.

وَلِأَنَّ النَّصَّ وَهُوَ الْعَامُّ سَاكِتٌ عَنْ سَبَبِهِ أَيْ عَنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى سَبَبِهِ وَالسُّكُوتَ لَا يَكُونُ حُجَّةً يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى إجْرَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>