للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قَالَ فِي مُسَافِرٍ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ إنَّ إحْرَامَ الصَّلَاةِ لَا يَنْقَطِعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ التَّرْكَ مُتَرَدِّدٌ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُودِ لِاحْتِمَالِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَلَمْ يَصِحَّ مُفْسِدًا فَصَارَ هَذَا الْبَابُ أَصْلًا يَجِبُ ضَبْطُهُ يُبْتَنَى عَلَيْهِ فُرُوعٌ يَطُولُ تَعْدَادُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَقَائِقِ.

(بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ)

اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ

ــ

[كشف الأسرار]

بِالْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» . يَقْتَضِي ذَلِكَ أَيْضًا فَكَانَ الْفَسَادُ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ فِيهِ قُصُورٌ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْإِحْرَامِ فَقُلْنَا بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ حَتَّى صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَقُلْنَا بِفَسَادِ الْأَدَاءِ أَيْضًا أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي كُلِّ بَابٍ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا تَخْرُجُ الْمَسَائِلُ.

فَإِذَا قَرَأَ فِي الْأَوَّلَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي الْآخَرَيْنِ لَا غَيْرُ أَوْ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ. أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ. وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرُ. أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ، وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ عِنْدَهُمَا. وَلَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرَ. أَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَهُمَا قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ، وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْفَسَادَ مَتَى ثَبَتَ بِطَرِيقٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْإِحْرَامِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي مُسَافِرٍ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا لَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْإِحْرَامُ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ مُؤَثِّرٌ فِي قَطْعِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُ فَصَارَ ظُهْرُ الْمُسَافِرِ كَفَجْرِ الْمُقِيمِ يَفْسُدُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدَيْهِمَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُهُ إصْلَاحُهُ فَكَذَا الظُّهْرُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي رَفْعِ صِفَةِ الْفَسَادِ. وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ الِاحْتِمَالُ مَانِعًا مِنْ تَعَدِّي الْفَسَادِ إلَى الْإِحْرَامِ لَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ بِعَرْضٍ أَنْ تَصِيرَ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَكَانَ التَّرْكُ مُتَرَدِّدًا مُحْتَمِلًا لِلْوُجُودِ أَيْ وُجُودِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِثْلُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي أَوَّلِهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَهَاهُنَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ فَجْرِ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَرْضِ أَنْ تَصِيرَ أَرْبَعًا. يُبْتَنَى عَلَيْهِ فُرُوعٌ يَطُولُ تَعْدَادُهَا. مِثْلُ الِاعْتِكَافِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ اللُّبْثَ الدَّائِمَ يَنْقَطِعُ بِهِ كَالصَّوْمِ بِالْأَكْلِ. وَمِثْلُ الصَّلَاة يَبْطُلُ بِالِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ بِالْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ فَرْضٌ دَائِمٌ فَيَفُوتُ بِالِانْحِرَافِ. وَقِسْ عَلَيْهِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ بِقُرْبِ النَّجَاسَةِ فَتُكْرَهُ، وَلَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ تَطْهِيرِ الْمَكَانِ لَا يَفُوتُ بِهِ، وَلَكِنْ يُقَرِّبُ إلَى الْفَوَاتِ.، وَكَذَا أَدَاءُ النِّصَابِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَهُوَ الْإِيتَاءُ إلَى الْفَقِيرِ لَمْ يَفُتْ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ شَبَهًا بِالْأَدَاءِ إلَى الْغَنِيِّ لِاتِّصَالِ الْغَنِيِّ بِالْأَدَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ]

وَلَمَّا فَرَغَ الشَّيْخُ عَنْ بَيَانِ الْمَقَاصِدِ وَتَقْسِيمِهَا، وَهِيَ الْأَحْكَامُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوَسَائِلِ إلَيْهَا، وَهِيَ الْأَسْبَابُ فَقَالَ {بَابُ بَيَانِ أَسْبَابِ الشَّرَائِعِ}

أَيْ بَيَانِ الطُّرُقِ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا الْمَشْرُوعَاتُ. قَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةُ الْمُتَكَلِّمِينَ إنَّ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ أَسْبَابًا تُضَافُ إلَيْهَا وَالْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالشَّارِعُ لَهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى دُونَ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ إلَى الشَّرْعِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مَأْخَذِ الشَّرَائِعِ أَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ أَسْبَابٌ لِوُجُودِ الْعِبَادَاتِ.، وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَشْعَرِيَّةِ لِلْعُقُوبَاتِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ أَسْبَابٌ يُضَافُ وُجُوبُهَا إلَيْهَا فَأَمَّا الْعِبَادَاتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>