للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ يُنْسَبُ إلَى الْأَرْضِ، وَفِي الْعُشْرِ مَعْنَى مُؤْنَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ، وَفِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ لِلسَّبَبِ وَصْفٌ وَصَارَ السَّبَبُ بِتَجَدُّدِ وَصْفِهِ مُتَجَدِّدًا فِي التَّقْدِيرِ فَلَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ قَبْلَ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ بِمَعْنَى السَّبَبِ لِوَصْفِ الْعِبَادَةِ فَلَوْ صَحَّ التَّعْجِيلُ لَخَلُصَ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَلَمَّا صَارَتْ الْأَرْضُ نَامِيَةً أَشْبَهَ تَعْجِيلَ زَكَاةِ السَّائِمَةِ وَالْإِبِلِ الْعَلُوفَةِ ثُمَّ أَسَامَهَا.

ــ

[كشف الأسرار]

الْحُكْمُ عَلَى وِفَاقِ السَّبَبِ وَلِهَذَا تُضَافُ إلَى الرَّأْسِ فَيُقَالُ زَكَاةُ الرَّأْسِ وَتُضَافُ إلَى الْوَقْتِ أَيْضًا فَيُقَالُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُهُ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الرَّأْسِ إضَافَةَ الْأَحْكَامِ إلَى أَسْبَابِهَا، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْوَقْتِ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ إذْ لَوْ قُلْت الْوَقْتُ سَبَبٌ لَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الرَّأْسِ لَغْوًا. قَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو نَصْرٍ الزَّوْزَنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ السَّبَبَ كِلَاهُمَا الرَّأْسُ وَالْوَقْتُ فَكَانَ حُكْمًا مُعَلَّقًا بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَالْمَسَائِلُ تَسْتَغْنِي عَنْ هَذَا الْأَصْلِ.

[سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ]

قَوْلُهُ (وَسَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ الْبَيْتُ) دُونَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ نُسِبَ إلَيْهِ، وَلَوْ يَتَكَرَّرُ أَيْ لَمْ يَجِبْ إلَّا مَرَّةً؛ لِأَنَّ السَّبَبَ، وَهُوَ الْبَيْتُ غَيْرُ مُتَجَدِّدٍ. قَالَ أَبُو الْيُسْرِ إنَّ لِلْبَيْتِ حُرْمَةً شَرْعًا فَيَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا لِزِيَارَتِهِ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَكَانَ الْمُحْتَرَمَ قَدْ يُزَارُ تَعْظِيمًا لَهُ وَاحْتِرَامًا إلَّا أَنَّ احْتِرَامَهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ زِيَارَتُهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا لَهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْبَيْتَ لِحُرْمَتِهِ أَمَانٌ لِلْخَلْقِ فَكَانَ نِعْمَةً فِي نَفْسِهِ فَصَارَ سَبَبًا لِكَوْنِهِ نِعْمَةً.، وَأَمَّا الْوَقْتُ فَهُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ أَيْ شَرْطُ جَوَازِ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَدَاءِ بِدُونِهِ، وَلَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْوُجُوبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ، وَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ أَيْضًا. وَتَوَقُّفُ صِحَّةِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ مَعَ انْتِفَاءِ التَّكَرُّرِ بِتَكَرُّرِهِ دَلِيلُ الشَّرْطِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَدَاءَ أَيْ لَكِنَّ الْأَدَاءَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْأَدَاءُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَوَّلِ شَوَّالٍ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ فَعُلِمَ أَنَّهُ سَبَبُ الْوُجُوبِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لَهُ لَمْ يَكُنْ إضَافَةُ الْوَقْتِ إلَيْهِ مُفِيدَةً، وَقَدْ يُقَالُ أَشْهُرُ الْحَجِّ كَمَا يُقَالُ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَدَلَّ أَنَّهُ سَبَبٌ.

فَقَالَ: الْوَقْتُ شَرْطُ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا وَيَجُوزُ الْأَدَاءُ بَعْدَ دُخُولِهِ لَكِنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ ذَاتُ أَرْكَانٍ شُرِعَ أَدَاؤُهَا مُتَفَرِّقًا مُنْقَسِمًا عَلَى أَمْكِنَةٍ، وَأَزْمِنَةٍ وَاخْتُصَّ كُلُّ رُكْنٍ بِوَقْتٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا اُخْتُصَّ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَ وَقْتِهِ الْخَاصِّ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ طَوَافُ الزِّيَارَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ مَعَ أَنَّهُ وَقْتُ أَدَاءِ الرُّكْنِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَلَمْ يَجُزْ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَا قَبْلَ الزَّوَالِ حَتَّى أَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مُوَقَّتٍ بِوَقْتٍ خَاصٍّ يَتَأَدَّى فِي جَمِيعِ وَقْتِ الْحَجِّ كَالسَّعْيِ فَإِنَّ مَنْ طَافَ وَسَعَى فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ سَعْيُهُ مُعْتَدًّا بِهِ مِنْ سَعْيِ الْحَجِّ حَتَّى إذَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ السَّعْيُ، وَلَوْ كَانَ طَافَ وَسَعَى فِي شَوَّالٍ كَانَ سَعْيُهُ مُعْتَدًّا بِهِ حَتَّى لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهُ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِوَقْتٍ خَاصٍّ فَجَازَ أَدَاؤُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.

وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ بِالْمَالِ فَشَرْطٌ أَيْ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا لِجَوَازِهِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ صَحِيحٌ مِنْ الْفَقِيرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَلَكِنَّهَا شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَإِنَّ السَّفَرَ الَّذِي يُوَصِّلُهُ إلَى الْأَدَاءِ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ بِدُونِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَالَ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا أَنَّهُ سَبَبٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ تَفْسِيرَ الِاسْتِطَاعَةِ مِلْكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَالْأَدَاءُ قَبْلَ مِلْكِهِمَا جَائِزٌ كَمَا ذَكَرْنَا لِوُجُودِ السَّبَبِ كَمَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ، وَكَذَلِكَ لَا يَتَجَدَّدُ الْوُجُوبُ بِتَجَدُّدِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَلَا يُضَافُ إلَيْهَا كَمَا لَا يُضَافُ إلَى الْوَقْتِ، وَلَا يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ كَالْوَقْتِ فَصَارَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ الْمُسْتَطِيعِينَ حَجُّ الْبَيْتِ حَقًّا وَاجِبًا بِسَبَبِهِ إذَا جَاءَ وَقْتُ الْأَدَاءِ كَذَا فِي التَّقْوِيمِ.

[سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ]

قَوْلُهُ (وَسَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ) الْبَاءُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّامِيَةِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْخَرَاجِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْأَرْضُ بِالنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْخَارِجُ سَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ، وَالْأَرْضُ سَبَبُ وُجُوبِ الْخَرَاجِ حَتَّى أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>