للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَارَ مُؤْنَةً بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَعُقُوبَةً بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ عِمَارَةُ الدُّنْيَا، وَإِعْرَاضٌ عَنْ الْجِهَادِ فَكَانَ سَبَبًا لِضَرْبٍ مِنْ الْمَذَلَّةِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْتَمِعَا عِنْدَنَا.

وَسَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا تُنْسَبُ إلَيْهَا

ــ

[كشف الأسرار]

الْعُشْرِ الْأَرْضُ فَإِنَّ سَبَبَ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ أَيْضًا لَكِنَّ النَّمَاءَ مُعْتَبَرٌ فِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْخَارِجِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ وَعُلِّقَ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ حَقُّ الْمُقَاتِلَةِ. فَصَارَ مُؤْنَةً بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ أَيْ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِأَصْلِ الْأَرْضِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْعُشْرِ، وَعُقُوبَةً بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ طَلَبِ النَّمَاءِ بِالزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالزِّرَاعَةِ عِمَارَةُ الدُّنْيَا، وَإِعْرَاضٌ عَنْ الْجِهَادِ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمَذَلَّةِ الَّتِي هِيَ نَوْعُ عُقُوبَةٍ؛ لِأَنَّ عِمَارَةَ الْأَرْضِ مِنْ صَنِيعِ الْكُفَّارِ وَعَادَتِهِمْ، وَقَدْ ذَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ: {وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم: ٩] . وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» «وَرَأَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْئًا مِنْ آلَاتِ الزِّرَاعَةِ فِي بَيْتٍ فَقَالَ مَا دَخَلَ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا ذَلُّوا» وَلِهَذَا كَانَ أَصْلُ الْخَرَاجِ عَلَى الْكَافِرِ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْ الْإِسْلَامَ وَاشْتَغَلَ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا فَوُضِعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجُ لِضَرْبٍ مِنْ الْمَذَلَّةِ كَمَا وُضِعَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى رُءُوسِهِمْ لِذَلِكَ، وَالْخَرَاجُ فِي الْأَرَاضِيِ أَصْلٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ نَقَلَ عَنْهُ إلَى الْعُشْرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَأَوْجَبَ الصَّرْفَ إلَى مَصَارِفِ الزَّكَاةِ لِيَتَّصِلَ بِهِ نَوْعُ عِبَادَةٍ تَكْرِمَةً لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَلِهَذَا لَا يُبْتَدَأُ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ صَغَارٍ، وَمَذَلَّةٍ وَجَازَ الْبَقَاءُ بِاعْتِبَارِ الْمُؤْنَةِ.

وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ وُجُودَ الْخَارِجِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الزِّرَاعَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعُشْرِ اكْتِسَابُ الْمَالِ فَقَطْ كَاكْتِسَابِ مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ عِمَارَةَ الدُّنْيَا وَالِاشْتِغَالَ بِهَا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ أَصْلٌ، وَفِي حَقَّ الْمُسْلِمِ عَارِضٌ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَارِضُ فِي جَعْلِ الْعُشْرِ عُقُوبَةً.؛ وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالزِّرَاعَةِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الدِّينِ وَالْجِهَادِ سَبَبٌ لِلْمَذَلَّةِ لَا نَفْسَ الزِّرَاعَةِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اُطْلُبُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ» .، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِعْرَاضُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَانَتْ اكْتِسَابًا؛ وَلِأَنَّ مَعْنَى الزِّرَاعَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعُشْرِ حَتَّى وَجَبَ الْعُشْرُ إنْ خَرَجَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزْرَعَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْتَمِعَا عِنْدَنَا أَيْ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَرْضُ النَّامِيَةُ لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وُجُوبًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُؤْنَةٌ، وَفِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَفِي الْخَرَاجِ مَعْنَى الْمَذَلَّةِ وَالْعُقُوبَةِ وَبِسَبَبٍ وَاحِدٍ لَا يَجِبُ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ.

وَقَوْلُهُمْ: مَحَلُّ كُلِّ وَاحِدٍ مُخْتَلِفٌ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَدْ يَكُونُ مُتَّحِدًا أَيْضًا إذْ الْخَرَاجُ قَدْ يَكُونُ مُقَاسَمَةً، وَقَدْ رَوَى الْإِمْلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَجْتَمِعُ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ» . وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَشْتَغِلُوا بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ احْتِيَالِهِمْ لِأَخْذِ الْمَالِ.

[سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ]

قَوْلُهُ (وَسَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الصَّلَاةُ) اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ فَقِيلَ سَبَبُهُ الْحَدَثُ لَا الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا وُضُوءَ إلَّا عَنْ حَدَثٍ. وَحَرْفُ عَنْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» .؛ وَلِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَدَثِ وَتَكَرُّرُ الصَّلَاةِ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مَتَى قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ طَاهِرٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَعَلِمْنَا أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْحَدَثُ.، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْوُضُوءِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ سَبَبًا لَهُ؛ لِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ لَا لِحُصُولِهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ وُجُوبِهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الصَّلَاةُ أَعْنِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا أَيْ الطَّهَارَةَ تُضَافُ

<<  <  ج: ص:  >  >>