للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا صَاحِبُ الْهَوَى؛ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَمِلُوا بِشَهَادَتِهِمْ

ــ

[كشف الأسرار]

وَأَمَّا الْمُغَفَّلُ الشَّدِيدُ الْغَفْلَةِ أَيْ قَوِيُّهَا وَذَلِكَ بِأَنْ غَلَبَ طَبْعَهُ الْغَفْلَةُ وَالنِّسْيَانُ فِي عَامَّةِ الْأَحْوَالِ فَمِثْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ فِي أَنَّ خَبَرَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً أَصْلًا كَخَبَرِهِمَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ يَتَرَجَّحُ فِي الرِّوَايَةِ بِاعْتِبَارِ غَلَبَةِ الْغَفْلَةِ كَمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ الْفِسْقِ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ خَبَرُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُرْوَى إلَّا عَنْ تَيَقُّظٍ وَضَبْطٍ وَلَا يَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْ غَفْلَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَنَّ مَنْ لَا يَضْبِطُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ ضَبَطَ وَمَنْ سَهَا يُظَنُّ أَنَّهُ مَا سَهَا فَيَرْوِي عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ يُسَاوِي ذِكْرُهُ وَغَفْلَتُهُ إلَّا عِنْدَ قَاضِي الْقُضَاةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ؛ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَبَرِ الصِّحَّةُ وَكَوْنُهُ حُجَّةً إلَّا بِعَارِضٍ فَإِذَا لَمْ يَتَرَجَّحْ غَفْلَةُ الرَّاوِي عَلَى تَيَقُّظِهِ وَذِكْرِهِ بَقِيَ حُجَّةً كَمَا كَانَ وَلَمْ يُتْرَكْ بِالِاحْتِمَالِ كَمَا إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ الْخَبَرُ لَا يَصِيرُ حُجَّةً إلَّا إذَا تَكَامَلَتْ شَرَائِطُهُ وَذَلِكَ عِنْدَ تَرَجُّحِ ذِكْرِ الرَّاوِي عَلَى غَفْلَتِهِ فَقَبْلَ تَرَجُّحِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ؛ فَإِنَّ سَبْقَ الطَّهَارَةِ يُرَجِّحُهَا حَتَّى لَوْ انْفَرَدَ الشَّكُّ عَنْ سَبْقِ الطَّهَارَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا فَأَمَّا تُهْمَةُ الْغَفْلَةِ أَيْ وَهْمُهَا بِأَنْ يُوهِمَ السَّامِعَ أَنَّ الرَّاوِيَ رَوَى عَنْ غَفْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ فَيُرَدُّ خَبَرُهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ التَّيَقُّظُ وَجَوْدَةُ الضَّبْطِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا غَفْلَةَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ فَيُقْبَلُ خَبَرُهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ سَهَا فِيهِ وَالْمُسَاهِلُ الْمُجَازِفُ الَّذِي لَا يُبَالِي مِنْ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَلَا يَشْتَغِلُ فِيهِ بِالتَّدَارُكِ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ، وَقِيلَ الْمُسَاهِلُ هُوَ الَّذِي لَا يَصْرِفُ اهْتِمَامَهُ إلَى أُمُورِ الدِّينِ وَلَا يَحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، وَالتَّزْوِيرُ تَزْيِينُ الْكَذِبِ وَزَوَّرْت الشَّيْءَ حَسَّنْته وَقَوَّمْته كَذَا فِي الصِّحَاحِ.

[خَبَر صَاحِبُ الْهَوَى]

قَوْلُهُ (فَأَمَّا صَاحِبُ الْهَوَى) الْهَوَى مَيَلَانُ النَّفْسِ إلَى مَا تَسْتَلِذُّ بِهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا أُبِيحَ فِي الشَّرْعِ مِنْ الشَّهَوَاتِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهَوَى مِمَّا يُذَمُّ عَلَيْهِ الشَّخْصُ وَيُهَانُ بِهِ وَنَفْسُ الِالْتِذَاذِ بِالشَّهَوَاتِ قَدْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مَعَ بَرَاءَتِهِمْ عَنْ الْهَوَى وَعِصْمَتِهِمْ عَنْهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّنْ اتَّبَعَ الْهَوَى مَنْ يَجِبُ إكْفَارُهُ كَغُلَاةِ الْمُجَسِّمَةِ وَالرَّوَافِضِ وَغَيْرِهِمْ وَيُسَمَّى الْكَافِرُ الْمُتَأَوِّلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجِبُ إكْفَارُهُ وَيُسَمَّى الْفَاسِقُ الْمُتَأَوِّلُ.

وَاخْتُلِفَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ إلَى أَنَّ شَهَادَةَ مَنْ كَفَرَ فِي هَوَاهُ مَقْبُولَةٌ وَكَذَا رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَكَانَ مُتَحَرِّجًا مُعَظِّمًا لِلدِّينِ غَيْرَ عَالِمٍ بِكُفْرِهِ يَحْصُلُ ظَنُّ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ فَيُقْبَلُ كَخَبَرِ الْمُسْلِمِ الْعَدْلِ، وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلَى رَدِّهِمَا؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلشَّهَادَةِ وَلَا لِلرِّوَايَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَكَوْنُهُ مُتَأَوِّلًا مُمْتَنِعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ غَيْرَ عَالِمٍ بِكُفْرِهِ لَا نَجْعَلُهُ أَهْلًا لَهُمَا؛ فَإِنَّ كُلَّ كَافِرٍ مُتَأَوِّلٌ إذْ الْيَهُودُ لَا يَعْلَمُونَ بِكُفْرِهِمْ وَتَوَرُّعُهُ عَنْ الْكَذِبِ كَتَوَرُّعِ النَّصْرَانِيِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بَلْ هَذَا الْمَنْصِبُ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ كَذَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَاخْتُلِفَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَيْضًا فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ إلَى رَدِّ شَهَادَتِهِ وَرِوَايَتِهِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ فِي الْعَمَلِ مَانِعٌ مِنْ الْقَبُولِ فَالْفِسْقُ فِي الِاعْتِقَادِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى.

أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ جَاهِلٌ بِفِسْقِهِ لَكِنْ جَهْلُهُ بِفِسْقِهِ فِسْقٌ آخَرُ انْضَمَّ إلَى فِسْقٍ فَكَانَ أَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>