للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِثْلُهُ {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ عَنَيْت بِهِ الطَّلَاقَ مِنْ النِّكَاحِ وَإِذَا قَالَ لِعَبْدٍ أَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ عَنَيْت بِهِ الْعِتْقَ عَنْ الرِّقِّ وَالْمِلْكِ. وَهَذَا الْبَيَانُ يَصِحُّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا لَا لِمَا قُلْنَا إنَّهُ مُقَرَّرٌ.

وَأَمَّا بَيَانُ التَّفْسِيرِ فَبَيَانُ الْمُجْمَلِ وَالْمُشْتَرَكِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] وَنَحْوُ ذَلِكَ.

ثُمَّ يَلْحَقُهُ الْبَيَانُ بِالسُّنَّةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ إذَا قَالَ عَنَيْتُ بِهِ الطَّلَاقَ صَحَّ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكِنَايَاتِ وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ بَيَانَهُ بَيَانُ تَفْسِيرٍ،

ــ

[كشف الأسرار]

فَإِنَّ اسْمَ الْجَمْعِ وَهُوَ الْمَلَائِكَةُ كَانَ عَامًّا أَيْ شَامِلًا لِجَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْضَهُمْ فَبِقَوْلِهِ كُلُّهُمْ قَرَّرَ مَعْنَى الْعُمُومِ فِيهِ حَتَّى صَارَ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ. وَمِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي كَوْنِهِ بَيَانَ تَقْرِيرٍ قَوْله تَعَالَى {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] وَهُوَ نَظِيرُ الْحَقِيقَةِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْمَجَازَ فَإِنَّ الطَّائِرَ يَحْتَمِلُ الِاسْتِعْمَالَ فِي غَيْرِ حَقِيقَتِهِ يُقَالُ لِلْبَرِيدِ طَائِرٌ لِإِسْرَاعِهِ فِي مَشْيِهِ وَيُقَالُ أَيْضًا فُلَانٌ يَطِيرُ بِهِمَّتِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ تَقْرِيرًا لِمُوجَبِ الْحَقِيقَةِ وَقَطْعًا لِاحْتِمَالِ الْمَجَازِ.

وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّ مَعْنَى زِيَادَةِ قَوْلِهِ فِي الْأَرْضِ وَ {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] زِيَادَةُ التَّعْمِيمِ وَالْإِحَاطَةِ كَأَنَّهُ قِيلَ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ قَطُّ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا مِنْ طَائِرٍ قَطُّ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مِنْ جَمِيعِ مَا يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَحْفُوظَةٌ أَحْوَالُهَا غَيْرُ مُهْمَلٍ أَمْرُهَا وَالْغَرَضُ فِي ذِكْرِ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ قُدْرَتِهِ وَلُطْفِ عِلْمِهِ وَسَعَةِ سُلْطَانِهِ وَتَدْبِيرِهِ تِلْكَ الْخَلَائِقَ الْمُتَفَاوِتَةَ الْأَجْنَاسِ الْمُتَكَاثِرَةَ الْأَصْنَافِ وَهُوَ حَافِظٌ لِمَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مُهَيْمِنٌ عَلَى أَحْوَالِهَا لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ وَأَنَّ الْمُكَلَّفِينَ لَيْسُوا مَخْصُوصِينَ بِذَلِكَ دُونَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَذَلِكَ أَيْ نَظِيرُ الْبَيَانِ الْمُقَرَّرِ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ يَقُولَ عَنَيْتُ بِهِ الطَّلَاقَ مِنْ النِّكَاحِ أَيْ رَفْعَ قَيْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ رَفْعُ الْقَيْدِ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِالنِّكَاحِ صَارَ مُخْتَصًّا بِهِ فِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ فَصَارَ الطَّلَاقُ لِرَفْعِ النِّكَاحِ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً وَعُرْفِيَّةً وَاحْتَمَلَ رَفْعَ كُلِّ قَيْدٍ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ وَلِهَذَا لَوْ نَوَى صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ فَبِقَوْلِهِ عَنَيْت بِهِ الطَّلَاقَ مِنْ النِّكَاحِ قَرَّرَ مُقْتَضَى الْكَلَامِ وَقَطَعَ احْتِمَالَ الْمَجَازِ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ مُوجِبُهُ الْعِتْقُ عَنْ الرِّقِّ فِي الشَّرْعِ وَيَحْتَمِلُ التَّخْلِيَةَ عَنْ الْقَيْدِ الْحِسِّيِّ وَالْحَبْسِ وَالْعَمَلِ.

وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخُلُوصِ يُقَالُ رَجُلٌ حُرٌّ أَيْ خَالِصٌ عَنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ وَمِنْهُ طِينٌ حُرٌّ أَيْ خَالِصٌ لَا رَمْلَ فِيهِ وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْكَرِيمِ يُقَالُ رَجُلٌ حُرٌّ أَيْ كَرِيمٌ وَالْحُرَّةُ الْكَرِيمَةُ وَنَاقَةٌ حُرَّةٌ أَيْ كَرِيمَةٌ وَسَحَابَةٌ حُرَّةٌ أَيْ كَثِيرَةُ الْمَطَرِ فَبِقَوْلِهِ عَنَيْت بِهِ الْعِتْقَ عَنْ الرِّقِّ قَرَّرَ مُوجَبَ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَطَعَ احْتِمَالَ غَيْرِهَا

[بَيَانُ التَّفْسِيرِ]

. قَوْلُهُ (وَأَمَّا بَيَانُ التَّفْسِيرِ) بَيَانُ التَّفْسِيرِ هُوَ بَيَانُ مَا فِيهِ خَفَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُجْمَلِ وَنَحْوِهِمَا مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ إذْ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَإِنَّمَا يُوقَفُ عَلَى الْمُرَادِ لِلْعَمَلِ بِهِ بِالْبَيَانِ. وقَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ مِقْدَارِ مَا يَجِبُ بِهِ الْقَطْعُ وَفِي حَقِّ الْمُجْمَلِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْإِبْطِ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ مِنْ الزَّنْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِثْلُ آيَةِ الرِّبَا، ثُمَّ لَحِقَهُ أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيَانُ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَّنَ الصَّلَاةَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالزَّكَاةَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَاتُوا رُبُعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» وَبِالْكِتَابِ أَمَرَ بِكِتَابَتِهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالنِّصَابَ فِي السَّرِقَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِيمَا دُونَ ثَمَنِ الْمِجَنِّ أَوْ لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» .

وَمَحَلُّ الْقَطْعِ «بِقَطْعِهِ يَدَ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانُ مِنْ الزَّنْدِ» وَالرِّبَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» الْحَدِيثَ، وَذَلِكَ أَيْ مِثَالُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ بَائِنٍ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْكِنَايَاتِ، ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيَانَ تَفْسِيرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>