للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِفَسَادِ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: ١٠٦] وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ وَالسُّنَّتَيْنِ فَأَمَّا فِي الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَلَا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: ١٥] فَثَبَتَ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ الْكِتَابَ

ــ

[كشف الأسرار]

حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسْخُ بِهِ كَالنُّصُوصِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ وَالنَّسْخُ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ جَائِزٌ حَيْثُ جَازَ بِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ الَّتِي هِيَ نَسْخٌ فَبِالْإِجْمَاعِ أَوْلَى وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عِبَارَةٌ عَنْ اجْتِمَاعِ الْآرَاءِ فِي شَيْءٍ وَلَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَةِ نِهَايَةِ وَقْتِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ فِي الشَّيْءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ أَوَانِ النَّسْخِ حَالَ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاتِّفَاقِنَا عَلَى أَنْ لَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَفِي حَالِ حَيَاتِهِ مَا كَانَ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِ رَأْيِهِ وَكَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَرْضًا، وَإِذَا وُجِدَ الْبَيَانُ مِنْهُ فَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ قَطْعًا هُوَ الْبَيَانُ الْمَسْمُوعُ مِنْهُ.

، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ بَعْدَهُ وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ النَّسْخَ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا الدَّلِيلُ، وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ نَاسِخًا لِلْإِجْمَاعِ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي آخِرِ بَابِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ نَسْخَ الْإِجْمَاعِ بِإِجْمَاعٍ آخَرَ جَائِزٌ فَيَكُونُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا مَحْمُولًا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ نَسْخِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِهِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ وَالْفَرْقُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لَهُمَا وَلَوْ وُجِدَ الْإِجْمَاعُ بِخِلَافِهِمَا لَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى نَصٍّ آخَرَ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ لِمَصْلَحَةٍ ثُمَّ تَتَبَدَّلُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ فَيَنْعَقِدُ إجْمَاعٌ آخَرُ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّ عَامَّةَ الْأُصُولِيِّينَ أَنْكَرُوا كَوْنَ الْإِجْمَاعِ نَاسِخًا لِشَيْءٍ أَوْ مَنْسُوخًا بِشَيْءٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَصِيرَ مَنْسُوخًا بِهِمَا أَيْضًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ حُدُوثِ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَذَا لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا مَنْسُوخًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الثَّانِيَ إنْ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إذْ الْإِجْمَاعُ لَا يَكُونُ بَاطِلًا.

وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ الثَّانِيَ حَرَّمَ الْعَمَلَ بِهِ مِنْ بَعْدِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ مُتَجَدِّدٍ وَقَعَ لِأَجْلِهِ الْإِجْمَاعُ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ لِدَلِيلٍ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلُ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُمْ وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِاسْتِحَالَةِ حُدُوثِ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلِعَدَمِ جَوَازِ خَفَاءِ الدَّلِيلِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ الْأَوَّلِ عَلَى الْكُلِّ لِاسْتِلْزَامِهِ إجْمَاعَهُمْ عَلَى الْخَطَأِ وَكَذَا لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْقِيَاسِ وَلَا مَنْسُوخًا بِهِ لِمَا مَرَّ وَأَمَّا تَمَسُّكُهُمْ بِقِصَّةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ ثَبَتَ كَوْنُ الْمَفْهُومِ حُجَّةً قَطْعًا حَتَّى يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَةٌ فَلَا يَكُونُ لِأُمِّهِ السُّدُسُ بَلْ الثُّلُثُ وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ لَفْظَ الْإِخْوَةِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَخَوَيْنِ قَطْعًا وَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ النَّسْخُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ النَّسْخُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِمَا أَيْضًا لِإِمْكَانِ تَقْدِيرِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى الْحَجْبِ إذْ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْحَجْبِ خَطَأً وَحِينَئِذٍ يَكُونُ النَّاسِخُ هُوَ النَّصَّ لَا الْإِجْمَاعَ وَكَذَا تَمَسُّكُهُمْ بِسُقُوطِ نَصِيبِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْسَخْ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ مُوجِبِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

[النَّسْخُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

[نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ]

قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِفَسَادِ الْقِسْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ) هُمَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا نَسْخُ الْكِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>