للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ دَلِيلَ النَّسْخِ مَا لَوْ جَاءَ مُقَارِنًا كَانَ مُعَارَضًا وَالْقَيْدُ بِعَارِضِ الْإِطْلَاقِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ وُجُوهِ النَّسْخِ وَنَظِيرُ هَذَا الْأَصْلِ اخْتِلَافُ الشُّهُودِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّمَنِ يَجْعَلُ الْأَوَّلَ بَعْضَهُ وَقَدْ صَارَ كُلًّا مِنْ وَجْهٍ فَصَارَا غَيْرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَعْضِ حُكْمُ الْوُجُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[كشف الأسرار]

مِمَّا يُزَالُ فِيهِمَا أَمْرٌ حِسِّيٌّ عَوْرَةٌ ظَاهِرَةٌ وَنَجَاسَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وَإِذَا كَانَ حِسِّيًّا اُعْتُبِرَ الزَّوَالُ حِسِّيًّا لَا حُكْمًا وَالزَّوَالُ حِسًّا ثَابِتٌ بِقَدْرِ الْمَاءِ الَّذِي مَعَهُ، وَكَذَا زَوَالُ الِانْكِشَافِ ثَابِتٌ بِقَدْرِ الثَّوْبِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.

[الْفُرْق بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]

قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ دَلِيلَ النَّسْخِ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى أَنَّ الْقَيْدَ نَسْخٌ لِلْإِطْلَاقِ وَجَوَابٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ لَهُ بِدَلِيلِ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَا مُقَارِنَيْنِ بِأَنْ جُهِلَ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ لَوْ جُهِلَ التَّارِيخُ بَيْنَهُمَا كَانَ الْقَيْدُ مُعَارِضًا لِلْإِطْلَاقِ وَمَانِعًا عَنْ الْعَمَلِ يَعْنِي إذًا كَانَا فِي الْحُكْمِ كَسَائِرِ دَلَائِلِ النَّسْخِ فَعِنْدَ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ يَكُونُ التَّقْيِيدُ نَسْخًا لِلْإِطْلَاقِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ (وَنَظِيرُ هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ مَعْنًى اخْتِلَافِ الشُّهُودِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ جَوَابٌ عَنْ اعْتِبَارِهِمْ الزِّيَادَةَ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا لَا تُوجِبُ تَغْيِيرَ مَا كَانَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى أَلْفٍ وَشَهَادَةِ الْآخَرِينَ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَقَالَ الشَّيْخُ لَيْسَ ذَلِكَ الْفَرْعُ نَظِيرَ هَذَا الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَا تُوجِبُ تَغْيِيرًا بَلْ نَظِيرُهُ اخْتِلَافُ الشُّهُودِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِي إثْبَاتِ الْعَقْدِ بِأَلْفٍ، وَإِنْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَانِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الَّذِي شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَدْ جَعَلَ الْأَلْفَ بَعْضَ الثَّمَنِ. وَانْعِقَادُ الْبَيْعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى لَا بِبَعْضِهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْمَعْنَى شَاهِدٌ بِعَقْدٍ آخَرَ وَالْأَلْفُ الْمَذْكُورُ فِي شَهَادَةِ الْآخَرِ كَانَ بِحَيْثُ يَثْبُتُ بِهِ الْعَقْدُ لَوْلَا وَصْلُ شَيْءٍ آخَرَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّخْيِيرِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَيَصِيرُ شَيْئًا آخَرَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَحُكْمُ الزِّيَادَةِ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

١ -

(فَصْلٌ)

ذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ فُرُوقًا بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ مَوْلَانَا حُمَيْدٍ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فُرُوقٌ أَيْضًا بَيْنَ التَّقْيِيدِ وَالنَّسْخِ وَالتَّعْلِيقِ وَغَيْرِهَا فَأَلْحَقْتهَا بِهَذَا الْبَابِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ ثُمَّ النَّسْخُ وَالتَّخْصِيصُ وَإِنْ اشْتَرَكَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيَانُ مَا لَمْ يَرِدْ بِاللَّفْظِ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْعَامَّ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمَخْصُوصَ وَالنَّسْخَ يُرْفَعُ بَعْدَ الثُّبُوتِ وَأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى الْعَامِّ وَالنَّسْخَ يَرِدُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا عِنْدَنَا، وَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَرَاخِيًا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ وَالنَّسْخُ يَجُوزُ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِأَدِلَّةِ السَّمْعِ وَغَيْرِهَا وَالنَّسْخُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالسَّمْعِ وَأَنَّهُ يَكُونُ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا وَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْلُومًا وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمَخْصُوصُ مِنْهُ مِنْ كَوْنِهِ مَعْمُولًا بِهِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَالنَّسْخُ يُخْرِجُ الْمَنْسُوخَ عَنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَرِدُ فِي الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ وَالنَّسْخُ لَا يَرِدُ إلَّا فِي الْأَحْكَامِ وَأَنَّ دَلِيلَ الْخُصُوصِ يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ وَدَلِيلَ النَّسْخِ لَا يَقْبَلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ أَنَّ التَّقْيِيدَ تَصَرُّفٌ فِيمَا كَانَ الْأَوَّلُ سَاكِتًا عَنْهُ وَالتَّخْصِيصَ تَصَرُّفٌ فِيمَا تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ ظَاهِرًا وَأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفْرَدٌ وَالتَّخْصِيصَ جُمْلَةٌ وَأَنَّ فِي التَّقْيِيدِ يُعْمَلُ بِالْقَيْدِ لَا بِالْأَصْلِ وَفِي التَّخْصِيصِ يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْمَخْصُوصُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ التَّخْصِيصَ مُسْتَبِدٌّ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَنَّ لِدَلِيلِ الْخُصُوصِ حُكْمًا بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالنَّسْخِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَرِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>