للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فخلاصة القول في هذا الأصل الثالث (وهو: القياس) أَن يُقال: إذا جعلنا الأصل مشروعيّة زيارة القبور بالنّصوص الشرعيّة الصحيحة، وزيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم مقاس عليها؛ فلا يُشرع في المقاس زيادة على أصله؛ لأنّ الأصل لم يشرع فيه شدّ رحل ولا سفر؛ وإنّما شُرع فيه الزيارة المُجرّدة عنهما؛ فالمقاس عليه مثله. وعند التّحقيق يظهر أنّه لا قياس؛ لأنّا نقول: لفظ «زوروا القبور» لفظ عام يشمل كلّ قبر حتى قبره صلى الله عليه وسلم وقبر غيره من الأنبياء والمرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ، ولكن لم يرد دليل في الشّرع على استحباب شدّ الرّحل والسّفر لمجرد زيارة القبور من غير قصد شيء آخر؛ فلم نقل به، وإن كان لفظ الأمر يشمل السّفر وشدّ الرّحل للزّيارة، والزّيارة من قرب ومن بعد ـ كما قال السّبكيّ ـ، ولكن فعله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور يخصّص هذا العموم، ويصيره قاصرًا على الزّيارة من غير سفر ولا شدّ رحل؛ إذ لو كان هذا مستحبًّا لم يتركه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من بعده مع وجود القبور البعيدة في زمانهم، وهذا لو فرض عدم مجيء النهي في ذلك؛ كيف وقد جاء النّهي مصرّحًا ـ كما تقدّم ـ؟! والله الموفّق.

فقد تبيّن بما قلناه أنّ السّبكيّ لا دليل له من القرآن، ولا من السُّنّة الصّحيحة، ولا من القياس المعتبر؛ على استحباب شدّ الرّحل والسّفر للزّيارة المُجرّدة عن كلّ قصد سواها ـ كما علمتَ ـ.

فصل

الأصل الرّابع (الإجماع) ـ وإليه الإشارة بقوله: «وأمّا الإجماع: لإطباق السّلف والخلف؛ فإنّ النّاس لم يزالوا في كلّ عام إذا قضوا الحجّ يتوجّهون إلى زيارته صلى الله عليه وسلم ... إلى آخره» ـ.

فجوابه من وجوه:

الأول: هذا الإجماع لا حُجّة فيه؛ لأنّه محتمل أنّهم يتوجّهون عقب الحجّ إلى الصّلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم وبعدها يزورون قبره صلى الله عليه وسلم، وقصدوا مع السّفر للصّلاة في المسجد الشّريف الزّيارة، ونحن لا ننازع في هذا، ويحتمل على سبيل التّنزّل مع السّبكيّ أنّهم قصدوا بسفرهم الزّيارة المُجرّدة عن الصّلاة في المسجد وغيرها من

<<  <   >  >>