للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر:

وإنّك لا تدري بأية بلدة ... تموت ولا عن أي شقّيك تصرع «١»

[تسوية الموت بين الأفاضل والأراذل]

قال مالك بن دينار: قدم علينا بشر بن مروان أخو الخليفة فطعن في قدمه فمات، فأخرجناه إلى القبر فلما صرنا إلى الجبان، إذا نحن بسودان يحملون صاحبا لهم إلى القبر فدفناه ودفنوا صاحبهم، فعدت قبل الأسبوع فلم أعرف قبر الأسود من قبره، وعلى هذا قول الشاعر:

ولقد مررت على القبور فما ... ميزّت بين العبد والمولى

وقال المتنبّي:

وصلت إليك يد سواء عندها ال ... بازي الأشيهب والغراب الأبقع «٢»

ويروى أن الإسكندر مرّ بمدينة قد ملكها غيره من الملوك فقال: انظروا هل بقي بها أحد من نسل ملوكها؟ فقالوا: رجل يسكن المقابر، فأحضره وسأله عن إقامته، فقال:

أردت أن أميز عظام الملوك من عظام عبيدهم فوجدتها سواء. فقال: هل تتبعني فأحيي شرفك إن كان لك همة، فقال: همّتي عظيمة إن أنلتنيها، فقال: ما هي؟ قال: حياة لا موت معها، وشباب لا هرم معه، وغنى لا فقر معه، وسرور لا مكروه فيه. فقال ليس عندي هذا، فقال: دعني ألتمسه ممّن هو عنده، فقال: ما رأيت مثله حكيما.

وأمر بشر بن الوليد أن يكتب على قبره:

من مات فات وفي المقابر يستوي ... تحت التراب شريفه ووضيعه

وقال صالح بن عبد القدوس:

فيا منزلا سوّى البلى بين أهله ... فلم يستبن فيه الملوك من السّوقي «٣»

[انقضاء ناس بعد ناس ورجوعهم إلى الموت]

قال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: إن لله في كل يوم ثلاث عساكر، عسكر ينزل من الأصلاب إلى الأرحام، وعسكر ينزل من الأرحام إلى الأرض، وعسكر ينتقل من الدنيا إلى الآخرة. وقال شاعر:

وما نحن إلا رفقة غير أنّنا ... أقمنا قليلا بعدهم ونروح

<<  <  ج: ص:  >  >>