للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولي ثوى طود المكارم والعلى ... وعطّل ميزان من الحلم راجح «١»

[من أظهر جزعا عند موته]

لما أحضر حجر بن عدي ليقتل سأل أن يمهل حتى يصلي ركعتين، وأظهر جزعا.

فقيل له أتجزع؟ فقال: كيف لا؟ وإني لأرى سيفا مشهورا وقبرا محفورا، ولست أدري إلى جنة يمضي بي أم إلى نار؟ وبكى الحسن بن علي عليهما الرضوان فقيل له: ما يبكيك؟

وقد ضمن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجنة. فقال: إني أسلك طريقا لم أسلكها وأقدم على سيد لم أره. وقيل لبشر بن الحارث: كرهت الموت فقال: القدوم على الله شديد.

من أظهر النّدم عند موته ما فرّط منه

قال عبد الملك عند موته: وددت أنّي كنت غسالا آكل كل يوم كسب يومي لا يفضل عنّي. فقيل ذلك لأبي حازم فقال: الحمد لله الذي جعلنا بحيث يتمنى الملوك حالنا عند الموت ولا نتمنى حالهم.

ولما نزل الموت بهشام جعل ولده يبكون عليه فقال: جاد هشام عليكم بالدنيا وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع وتركتم عليه ما اكتسب. ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له. ولما أدنف المأمون أمر أن يفرش له فجعل يتمرّغ فيه ويقول:

كلّ عيش وإن تطاول يوما ... صائر مرّة إلى أن يزولا

ليتني كنت قبل يومي هذا ... في قلال الجبال أرعى الوعولا «٢»

وأغمي عليه ثم أفاق، وهو يقول:

لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما

اللهم لا بريء فأعتذر ولا قويّ فأنتصر، ثم أغمي عليه فلما أفاق، قال:

إن تغفر اللهم تغفر جمّا ... وأي عبد لك ما ألمّا

وتمثّل عضد الدولة عند موته بقول القاسم بن عبيد الله:

قتلت صناديد الرجال ولم أدع ... عدوا ولم أمهل على ظنة خلقا «٣»

وأخليت دور الملك من كل نازل ... فشرّدتهم غربا وبدّدتهم شرقا

فلمّا بلغت النجم عزّا ورفعة ... وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقّا

رمى لي الرّدى سهما فأخمد جمرتي ... فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ملقى «٤»

فأذهب دنياي وديني سفاهة ... فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى «٥» ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>