للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال المتنبّي:

أردّد ويلي لو قضى الويل حاجة ... وأكثر لهفي لو شفى غلّة لهف «١»

[من مات له عدة بنين فصبر]

مات لأنس بن مالك رضي الله عنه في طاعون الجارف ثلاثون ابنا، ولعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أربعون ابنا، ولعبيد الله بن عمر رضي الله عنهما ثلاثون ابنا سنة أربع وستين، ومات لأعرابية ابن وأخ وزوج دفعة، فلم تبك، وقالت:

أفردني ممّن أحبّ الدهر ... ثلاثة هم نجوم زهر

فإن جزعت إنّ ذا لعذر ... وإن صبرت لا يخيّب الصّبر

ونظر رجل بالبصرة إلى امرأة فقال: ما رأيت مثل هذه النضارة وما ذاك إلا من قلّة الحزن، فقالت: ما حزن كحزني: ذبح زوجي شاة ولي صبيان يلعبان فقال أحدهما للآخر: تعال أريك كيف ذبح أبي الشاة فذبحه ثم خاف فهرب إلى الجبل فرهقه ذئب فافترسه وخرج زوجي في طلبه، فاشتد عليه الحرّ فمات عطشا فقيل لها: كيف صبرت؟

فقالت: لو وجدت في الحزن دركا ما اخترت عليه.

حثّ الإنسان أن يستعمل من التسلّي عاجلا ما يعود إليه آجلا

عزّى رجل رجلا فقال: إن رأيت أن تقدم ما أخرته الفجوة فتربح نفسك وترضي ربك. وأصيب ابن المبارك بابن رجل، فدخل عليه مجوسي فقال: إن رأيت أن تفعل اليوم ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام، فقال ابن المبارك: اكتبوا هذا. وعزّى أمير المؤمنين رضي الله عنه أشعب فقال: إن صبرت جرى عليك المقدور وأنت مأجور وإن جزعت جرى عليك وأنت موزور.

طول العهد يقتضي التسلّي

اعتكفت فاطمة بنت الحسين على قبر زوجها سنة، فلما أرادت الانصراف سمعت قائلا من جانب البقيع يقول: هل وجدوا ما سلبوا؟ فأجابه من الجانب الآخر: بل يئسوا فانقلبوا. وقيل لأم الهيثم: ما أسرع ما سلوت، فقالت: إني فقدت منه سيفا في مضائه ورمحا في استوائه وبدرا في بهائه، ولكن قلت:

قدم العهد وأسلاني الزمن ... إن في اللّحد لمسلى والكفن

وكما تبلى وجوه في الثّرى ... فكذا يبلى عليهن الحزن

وقال عمر لمتمم بن نويرة: ما بلغ من حزنك على أخيك؟ قال: بكيت عليه حتى ساعدت عيني العوراء الصحيحة. قال: ثم مه. قال: سلوت. وقيل: لم يخلق الله شيئا إلا كان صغيرا فكبر إلا المصيبة فإنه خلقها كبيرة فصغرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>