للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهروان، فلما دخلت عليه رأيته مغتمّا فقال: يا عمّ أما ترى هذا الباغي عليّ فقلت: دعه وبغيه، فالبغي يردى صاحبه. فقال: فيم أداوي ما خامرني؟ فقلت: تأمر باحضار أبي نواس فإنه فتّاح لهذه الأبواب، فاستحضره وسأله فقال:

إذا ما ضاقك الغمّ ... فضع في الرأس أقداحا «١»

فإنّ الهمّ إن طاحت ... به مشمولة طاحا «٢»

فدعا برطل وجارية تغني، فسألها: ما اسمك؟ قالت: شرّ، وغنّت بقول الشاعر:

كليب لعمري كان أكبر ناصرا ... وأكبر حزما منك ضرّج بالدم

فرمى بالرطل وأمر بالجارية فالقيت في دجلة، ودعا أخرى فغنّت:

هموا غدروه كي يكونوا مكانه ... كما غدرت يوما بكسرى مرازبه «٣»

فرمى بها أيضا، ودعا بأخرى فغنّت بقول الشاعر:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر «٤»

بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر «٥»

فاغتمّ اغتماما عظيما فتطلع على دجلة فإذا برجل يقرأ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. فاستحكم تطيره. فقلت: يا أمير المؤمنين قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التطير فقال:

هبني لا أتطير بالشعر أما أتفاءل بالقرآن فما انقضى الأسبوع إلا وقد نزلت به النازلة.

[من رأى فأل سوء فصرفه إلى حسن بتأويله]

خرج جعفر بن سليمان إلى المدينة واليا بها فتعلّقت شجرة بلوائه فتطيّر بذلك. فقال من كان معه: هذا عملك تشبّث بك فسرّي عنه.

وسار خالد بن يزيد إلى ولاية الموصل فانكسر اللواء فحزن لذلك، فقال أبو الشّمقمق:

ما كان مندقّ اللواء لريبة ... تخشى ولا أمر يكون مبدلا

لكنّ هذا الرمح ضعف متنه ... صغر الولاية فاستقلّ الموصلا

<<  <  ج: ص:  >  >>