للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العطلة في حال الولاية، ولا تحقرنّ شيئا صغيرا، فالذود «١» إلى الذود إبل، والولاية رقدة فتنبّه قبل أن تنبه. وأخو السلطان أعمى عن قليل سوف يبصر، وما هده الوصية كما أوصى به الحكماء، ولكنّي رأيت الحزم في أخذ العاجل وترك الآجل.

من أريد عزله فاحتال أن يقرّ على ولايته

كتب معاوية إلى عمرو بن العاص وإلى المغيرة «٢» ، أن يقدما عليه. فقدم عمرو من مصر والمغيرة من الكوفة. فقال عمرو للمغيرة: ما جمعنا معاوية إلا ليعزلنا. فإذا دخلت فاشك إليه الضعف، واستأذنه أن تأتي الطائف. وأنا أسأله مثل ذلك فسيظنّ أنا نريد به شرا، فسيردنا إلى العمل.

فدخل المغيرة فسأله أن يعفيه وأن يأذن له في الذهاب إلى الطائف، ثم دخل عمرو فسأله مثل ذلك فقال معاوية لقد تواطأتما على أمر وهممتما بشر ارجعا إلى عملكما.

ولما استخلف سليمان بن عبد الملك تهدّد الحجّاج بالعزل فكتب إليه الحجاج: يا سليمان إنما أنت نقطة من مداد، فإن رأيت في ما رأى أبوك وأخوك كنت لك كما كنت لهما، وإلا فأنا الحجّاج. وأنت نقطة إن شئت أثبتك وإلا محوتك فأقرّه على عمله.

وكان معاوية عزل عمرا عن مصر بأبي الأعور السلمي، وكتب إليه على يده، وقال:

ائته وادفع إليه الكتاب وأخرجه. فلما انتهى إلى مصر علم عمرو سبب مورده، فقال لوردان غلامه: احتل عليه. فقال: نعم. فلما دخل، وأراد أن يناوله الكتاب حلف أن لا يأخذ الكتاب أو يأكل فقعد للأكل مع عمرو. فاحتال وردان وسرق كتبه. فلما فرغ وطلب الكتاب لم يجده. فقال: إن أمير المؤمنين عزلك بي. فقال: هات الكتب فلم يجدها، فاضطرب. فكتب عمرو في الوقت إلى معاوية وأرضاه، فلما سمع بخبره ضحك وأمر برد أبي الأعور إليه.

وقدم عمر رضي الله عنه الشام فتلقاه معاوية في موكب عظيم، وكان عمر على حمار هزيل، فلم يعرفه معاوية، وجازه حتى نبّه. فنزل له فاعرض عنه عمر، وقال: قد صرت صاحب الموكب وذوو الحاجات تقف على بابك. قال: نعم، فقال: ونعم أيضا؟ فقال:

إنني ببلد يكثر فيه جواسيس العدوّ ولا بد مما يرهبهم من آلة السلطان، فإن أمرتني فعلت وإن نهيتني انتهيت. فقال عمر رضي الله عنه: لا آمرك ولا أنهاك، والله لئن صدقت لقد فعلت فعل أريب، ولئن كذبت فقد اعتذرت عذر أديب. فقال أبو عبيدة: ما أحسن ما صدر عما أوردته فقال عمر رضي الله عنه لحسن مصادره وموارده جشّمناه ما جشّمناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>