للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمظلوم وابلغ تحذير للظالم على مدارجة العقوبة وإن تنفست مدته. وقيل لعمر رضي الله عنه: كان الرجل في الجاهلية يظلم فيدعو على من ظلمه فيجاب عاجلا ولا نرى ذلك في الإسلام، فقال: كان هذا جزاء بينهم وبين الظلم وإنّ موعدكم الآن الساعة والساعة أدهى وأمرّ. وقيل: إنما تندمل من المظلوم جراحه إذا انكسر من الظالم جناحه.

[الظلم في أخذ الأرض]

قال النبي صلّى الله عليه وسلم: من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة. قال أحمد بن واضح:

يا قابض الضّيعة من نسوة ... ضعفا وإيتام لسلطانه

يجأرن بالليل إلى خالق ... إغاثة الملهوف من شأنه

لا يأخذ الضيعة ذو قدرة ... يريد أن تبقى لصبيانه

ومما يقرب من السخف في هذا أن رجلا كان له قطعة من أرض بجنب أرض لرجل، فكان يضم كل سنة قطعة منها إلى أرضه. فقال له يوما: ما هذا النقصان في أرضنا؟ فقال: أما سمعت قول الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها

«١» قال: فما هذه الزيادة في أرضك؟ قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، قال: فمن أين أوتيت الفضل وأوتيت النقص في ذلك؟ فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.

[التحذير من معاونة الظالم]

روي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: من أعان ظالما سلطه الله عليه. وقال المأمون لبعض ولاته:

لا تظلم لي فيسلطني الله عليك.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس للظالم عهد فإن عاهدته فانقضه فإن الله تعالى يقول: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ

«٢» .

وسمعت بعض العلماء يقول: ما ظلمت أحدا قطّ لغيري فإنى إذا ظلمت ظلمت نفسي. ويشبه ذلك ما يحكى أن عاملا عزل عن عمله بغيره، فقال المولى لمن ولى مكانه:

أعرني دواتك لأكتب منها حرفا فقال: لا فإني لا أستحل معاونة الظلمة، ولا أحب أن يكتب من دواتي ظالم. فقال: ألم تك تكتب منها آنفا؟ فقال: إني أحرق بالنار نفسي لنفسي ولا أحرقها لغيري.

وقيل لأبي مسلم صاحب الدولة: قد قمت مقاما لا يقصر بك عن الجنة في إزالة دولة بني أمية وإقامة شعار بني العباس. فقال: لخوفي من النار أولى من طمعي في الجنة فإني أطفأت من بني أميّة جمرة ألهبت بها نيرانا لبني العباس وسأحرق بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>