للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستحقر «١» المرزبان أمره، إلى أن انتهى إليه وهو نائم في ناحية المسجد فلما رفع رأسه امتلأت نفس المرزبان منه رعبا فقال: هذا والله الملك الهنىء لا يحتاج إلى حراس ولا إلى عدد وقال عمر رضي الله عنه حين نظر إلى صفوان مبتذلا لأصحابه هذا رجل يفر من الشرف والشرف يتبعه، وقال معاوية لرجل: من سيّد قومك؟ فقال: الجاهم الدهر إليّ فقال بمثله من التواضع يحل الشرف، وقال عمر رضي الله عنه أريد رجلا إذا كان في القوم وهو أميرهم كان كبعضهم فإذا لم يكن أمير فكأنه أميرهم، قال أبو تمام:

متبذل في القوم وهو مبجّل ... متواضع في الحيّ وهو معظّم «٢»

وقال آخر:

متواضع والنبل يحرس قدره ... وأخو التواضع بالنباهة ينبل

قال الخوارزمي:

عجبت له لم يلبس الكبر حلّة ... وفينا إذا جزنا على بابه كبر

ذمّ التكبر والنهي عنه

قال الله تعالى: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ

«٣» وقال تعالى: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ

«٤» ، وقال: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ

«٥» ، وقال النبي صلّى الله عليه وسلم:

إن الله يقول الكبر إزاري «٦» والعظمة ردائي، من نازعني واحدا منهما ألقيته في النار، وأخذ أبو نواس هذا المعنى فقال:

حذّرتك التيه لا يعلقك ميسمه ... فإنّه ملبس نازعته الله

وقال بزرجمهر: وجدنا التواضع مع الجهل والبخل، أحمد عند العقلاء من الكبر مع الأدب والسخاء. فانبل بحسنة غطّت سيئتين، وأقبح بسيئة غطت على حسنتين. كم من صلف أدى إلى تلف، العجب لابن آدم لم يتكبر وقد جرى في مجرى البول مرتين. أخذ ابن الرومي ذلك فقال:

كيف يزهو من رجيعه ... أبا الدهر ضجيعه

قال: منصور الفقيه، يا قريب العهد بالمخرج لم لا تتواضع، ويروى عن النبي صلّى الله عليه وسلم لا يبغى على الناس إلّا ولد بغى أو من فيه عرق سوء، وقيل: ما تاه إلّا وضيع ولا فاخر إلا سقيط ولا تعظم إلا لقيط «٧» وقيل: دع الكبر فمتى كنت من أهل النبل لم يضرك التبذّل ومتى لم تكن من أهله لم ينفعك التبتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>