للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مدح صيانة العلم]

وجّه الرشيد إلى مالك بن أنس «١» رحمه الله ليأتيه فيحدثه، فقال مالك إنّ العلم يؤتى فصار الرشيد إلى منزله فاستند معه إلى الجدار، فقال: يا أمير المؤمنين من إجلال الله تعالى إجلال العلم. فقام وجلس بين يديه وبعث إلى سفيان بن عيينة فأتاه وقعد بين يديه وحدّثه. فقال الرشيد بعد ذلك: يا مالك تواضعنا لعلمك فانتفعنا به وتواضع لنا علم سفيان فلم ننتفع به.

وفي أمثال العرب أن الثعلب والغراب تحاكما إلى الضب «٢» ، فقالا: أخرج وأحكم بيننا. فقال: في بيته يؤتى الحكم.

وقال لقمان لابنه: صن علمك فوق صيانة نفسك. وقيل: لم ير أفضل من الخليل «٣» في التلطّف عن الكسب بالعلم. كان الناس يأكلون بعلمه وهو في خصّ له. وخرج إلى مكّة، والناس يقولون في الحرمين: قال الخليل، وذكر الخليل، ورجع إلى البصرة ولم يعلم بمكانه. قال الشيخ رحمه الله: ومن ملك نفسه هكذا، فحقيق أن يقال رجل فضل وصدق. وللقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني:

ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما

ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوس لعظّما

ولكن أهانوه فهانوا ودنّسوا ... محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما «٤»

نهي العلماء عن التّهافت على باب السّلطان

قال بعض العلماء: شرار الأمراء أبعدهم عن العلماء، وشرار العلماء أقربهم إلى الأمراء. ودنا سقاء من فقيه على باب السلطان فسأله عن مسألة فقال: أهذا موضع المسألة؟

فقال السقاء: أو هذا موضع الفقيه؟

وكتب عبد الله بن المبارك رحمه الله إلى ابن علية حين ولي صدقات البصرة «٥» :

يا جاعل العلم له بازيا ... يصطاد أموال المساكين «٦»

<<  <  ج: ص:  >  >>