للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صعوبة الحمية ومدح تركها]

قيل: الحمية إحدى العلتين، فمن احتمى فهو على يقين من المكروه وفي شك من المحبوب.

قال عبد الصمد بن المعدّل:

وقالوا شفاؤك في حمية ... تعود عليك بها النّضره

فأصبحت في بلد مخصب ... ببلقعة جدبة قفره «١»

وقال الرشيد للفضل: ما أطيب ما في هذه الدنيا؟ فقال: رفض الحشمة وترك علم الطب، فلا عيش لمحتشم ولا لذة لمحتم. وقيل: من عرف ما يضره مما ينفعه فهو مريض. وقال أفلاطون: الموت موتان طبيعي وإرادي، فالطبيعي مفارقة الروح البدن والإرادي منع الأبدان الشهوات. وقيل: الأبدان المعتادة للحمية آفتها التخليط والأبدان المعتادة للتخليط آفتها الحمية.

مدح القليل من الطّعام وذمّ الإكثار

اجتمع أربعة من الأطباء عند المأمون عراقي ورومي وهندي وسوادي، فقال: ليصف كل منكم الدواء الذي لا داء معه، فقال الرومي حب الرشاد، وقال الهندي الهليلج الأصفر، وقال العراقي الماء الحار، وقال السوادي وهو أبصرهم حب الرشاد يورث الرطوبة والماء الحار يرخي المعدة والهليلج يرقق البطن، ولكن الدواء الذي لا داء معه أن تجلس على الطعام وأنت تشتهيه. وتقوم عنه وأنت تشتهيه وقيل لطبيب كم آكل فقال خوف الجوع ودون الشبع.

مضرّة الشبع فوق مضرّة الجوع

قال أبقراط: الإكثار من المنافع شر من الإقلال من المضار. وقال أرسطوطاليس:

المطعم والمشرب إذا كثرا على المعدة أطفآ نارها، فجرت الأغذية في البدن غير نصيحة فصار ذلك نقصانا للبدن يورث الفترة كالشجرة إذا كثر ماؤها عفنت وإن قل جفت، وكالسراج إذا قل دهنه أو كثر انطفأ.

وقال محمد بن عبد الله بن جعفر: من تغدى وتعشى ولم يأكل فيما بينهما سلم من الأوجاع لقول الله تعالى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا

«٢» . وقال بعض الأطباء: أحب الناس إلينا الرغيب البطن لكثرة حاجاتهم إلينا. وقد ذكر بعض هذا الباب في كتاب الأكلة.

ما تستدام به الصحة من الأكل والشّرب والصّوم والجماع

قال طبيب الحجاج: لا يحفظ الصحة كالأكل بالنهار وتقليل الشرب بالليل وأن لا

<<  <  ج: ص:  >  >>