للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجدتها محتاجة ... فوهبت لذّتها لها

[كون الدنيا عبدا لمن زهد فيها]

قال زاهد لملك: أنت عبد عبدي لأنك تعبد الدنيا لرغبتك فيها، وأنا مولاها لرغبتي عنها وزهدي فيها. ويقوي ذلك ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أن الله أمر الدنيا فقال: من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه. وقيل: من زهد في الدنيا ملكها ومن حرص عليها أملكها. وقال الحسن رضي الله عنه: أهينوا الدنيا فو الله لأهنأ ما تكون حين تهان.

وقال أبو العتاهية:

أرى الدنيا لمن هي في يديه ... عذابا كلّما كثرت لديه

تهين المكرمين لها بصغر ... وتكرم كلّ من هانت عليه

إذا استغنيت عن شيء فدعة ... وخذ ما أنت محتاج إليه

الحثّ على التوكّل في أمر الرزق وترك الحرص

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن في القرآن آية لو أن جميع الناس أخذوا بها لكفتهم في القناعة. قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ

«١» .

وسئل بزرجمهر عن الرزق، فقال: إن كان قد قسم فلا تعجل وإن كان لم يقسم فلا تتعب. وقال الحسن رضي الله عنه: الحريص الجاهد والقنع الزاهد كلاهما مستوف حظّه، وأكله غير منتقص ما قدر له، فعلام التهافت في النار؟

وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: لو توكلتم على الله حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا «٢» وتروح بطانا «٣» . وقيل للحارث كيف قال ذلك والطير تغدو في طلب الرزق وتروح؟ فقال: مهلا إن الطير يأخذ في الحوصلة وأنت لا تقنع بذلك، مع أن الطير لم يخاطب بالضمان منه لرزق ولم ينزل عليه كتاب.

وقال سهل بن وهبان: لا تكونوا للمضمون مهتمين. وقال أعرابي لآخر رآه حريصا:

يا أخي أنت طالب ومطلوب، يطلبك طالب ولن تفوته وتطلب ما كفيته كأنك لم تر حريصا محروما ولا زاهدا مرزوقا.

وقال آخر: إنك لا تدرك أملك ولا تسبق أجلك ولا تغلب على رزقك ولا تعطي حظ غيرك، فعلام تهلك نفسك؟ لكل صباح صبوح ولكل عشاء عشاء. وفي بعض كتب الله: يا ابن آدم لو أن لك الدنيا كلها لم تنل منها إلا القوت فإذا أعطيتك القوت، وجعلت حسابه على غيرك ألم أكن محسنا إليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>