للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلّة وجود الزّهد

سمع بعضهم رجلا يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة؟ فقال: إقلب وضع يدك على من شئت، قال:

وقلّما تجد الراضين بالقسم

وقيل: لم يقسم الله شيئا بين العباد أقل من الزهد واليقين.

[التخويف من النفس والشهوة والاستعاذة منهما]

قال ابن عباس رضي الله عنهما: الهوى إله معبود. الخائف من يخاف نفسه أكثر مما يخاف عدوه. قال ابن مسعود رضي الله عنهما: اللهم إني أستعيذك على نفسي عدوّي ولا عقوبة فيها.

وقال أعرابي لرجل: كبت الله كل عدو لك إلا نفسك. وقال صوفي: من توهم أن له عدوّا أعدى من نفسه قلّ علمه بنفسه.

وقال يحيى بن معاذ رضي الله عنه: من سعادة المرء أن يكون خصمه عاقلا وخصمي لا عقل له، فقيل له ومن خصمك؟ فقال: نفسي، فأيّ عقل لها وهي تبيع الخلود في الجنة بشهوة ساعة.

من سامح نفسه فيما تحب أتعب جوارحه وفقد من الراحة حظّه. من كثرت شهوته دامت هفوته.

قال شاعر:

ولم تتغالب شهوة ومروءة ... فيفترقا إلا وللشهوة الغلب

وقال آخر:

شهوات الإنسان تكسبه الذ ... لّ وتلقيه في البلاء الطويل

الحثّ على قدع «١» النفس

قال ابن المقفع: أعظم الجهاد جهاد المرء نفسه، لقول الله تعالى إن النفس لأمارة بالسوء.

قال عمر رضي الله عنه: جاهدوا أنفسكم كما تجاهدون أعداءكم. وكان الحجاج يقول على المنبر: إقذعوا هذه النفس فإنها طلعة «٢» . وقال الجنيد رحمه الله تعالى: لا تسكن إلى نفسك وإن دامت طاعتها فإن لها خدائع ومتى سكنت إليها فأنت مخدوع.

وسئل أنوشروان: أي الأشياء أحق بالإتقاء؟ قال: أعظمها مضرة. قال: فإن جهل قدر المضرة؟ قال: أعظمها من الهوى نصيبا، فالهوى للنفس البهيمة والرأي للنفس الإنسانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>