للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: أتريد أن أثبت في ديوان النوكي؟ وقال سعيد بن سلم: قصدت الكوفة فرأيت ابن المقفع فرحّب بي، وقال: ما تصنع ههنا؟ فقلت: ركبني دين فأحوجت إلى الإزعاج.

فقال: هل رأيت أحدا؟ فقلت: ابن شبرمة وعرّفته حالي، فقال: أنا أكلّم الأمين ليضمّك إلى أولاده فيكون لك نفع. فقال: أف لذلك أيجعلك مؤدبا في آخر عمرك، أين منزلك؟

فعرّفته فأتاني في اليوم الثاني وأنا مشغول بقوم يقرؤون عليّ ومعه منديل فوضعه بين يدي، فإذا فيه أسورة مكسورة ودراهم متفرّقة مقدار أربعة آلاف درهم، وحينئذ»

زمان المنصور وفي الدراهم ضيق. فأخذت ذلك ورجعت به إلى البصرة واستعنت به.

قال الشاعر:

كفى المرء نقصا أن يقال بأنّه ... معلّم صبيان وإن كان فاضلا

وقال آخر:

إنّ المعلّم حيث كان معلّم ... ولو ابتنى فوق السّماء سماء

وصايا المؤدّبين في الأولاد

أوصى هشام بن عبد الملك سليمان الكلبيّ، لما اتخذه مؤدّبا أنّ ابني هذا هو جلدة «٢» ما بين عينيّ، وقد ولّيتك تأديبه فعليك بتقوى الله، وأداء الأمانة فيه، بخلال أوّلها أنك مؤتمن عليه، والثانية أنا إمام ترجوني وتخافني، والثالثة كلّما ارتقى الغلام في الأمور درجة ارتقيت معه. وفي هذه الخلال ما يرغبك في ما أوصيك به. إنّ أول ما آمرك به أن تأخذه بكتاب الله وتقرئه في كل يوم عشرا يحفظه حفظ رجل يريد التكسب به ثم روّه من الشعر أحسنه. ثم تخلّل به في أحياء العرب، فخذ من صالح شعرهم هجاء ومديحا، وبصّره طرفا من الحلال والحرام والخطب والمغازي، ثم أجلسه كل يوم للنّاس ليتذكر.

وقال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: ليكن أوّل إصلاحك لولدي إصلاح نفسك فإنّ عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنته والقبيح ما استقبحته. علّمهم كتاب الله وروّهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفّه ولا تكرههم على علم فيملّوه ولا تدعهم فيهجروه، ولا تخرجهم من علم إلى علم. حتى يحكموه، فازدحام العلم في السّمع مضلّة للفهم. وعلّمهم سير الحكماء وهدّدهم وأدّبهم دوني، ولا تتكل على كفاية منك، واستزدني بتأثيرك أزدك إن شاء الله تعالى.

وضرب أبو مريم مؤدّب الأمين والمأمون الأمين بعود فخدش ذراعه فدعاه الرشيد إلى الطعام فتعمّد أن حسر عن ذراعه فرآه الرشيد. فسأله، فقال: ضربني أبو مريم فبعث إليه ودعاه قال فخفت فلما حضرت، قال: يا غلام وضّئه فسكنت وجلست آكل، فقال: ما بال محمد

<<  <  ج: ص:  >  >>