للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها يكشتش، أي قتله قوله في هذا البيت.

وكان المتنبي ينادم أبا الفوارس بن فهد فانصرف من عنده ليلة، وقد أثخن سكرا، فلما أصبح أتاه الرسول يدعوه، فقال:

وقد متّ أمس بها موتة ... ولا يشتهي الموت من ذاقه

وقال آخر:

كصريع الخمر داوى ما به ... من خمار بعقار فانتشى

من ذمّها بأنّها ت زيل العقل

حضر نصيب عند عبد الملك بن مروان فدعاه إلى الشراب، فقال: إني لم أصل إليك بنفسي ولا بحسن صورتي، وإنما قربت منك بعقلي، فإن رأى الأمير أن لا يحول بيني وبينه فعل. وقيل لأعرابي: لم لا تشرب؟ فقال: لا أشرب من يشرب عقلي. وروي أن ابن أبي شيبة مر بغلام يلعب بالتراب، فقال: لا تفعل يا أحمق، فقال الغلام: الأحمق من يشتري الحمق بماله فيدخله رأسه ويقيء في جيبه ويسلح في ذيله، ويصبح محمرا ويمسي مصفرا.

وقيل للعباس بن مرداس: لو شربت النبيذ لازددت جراءة، فقال: ما كنت لأصبح سيد قومي وأمسى سفيههم، وأدخل جوفي ما يحول بيني وبين عقلي. وقيل لأعرابي لم لا تشرب؟ فقال: لأنه يفني مالي ويغير عقلي.

وعلى هذا الحديث وإن لم يكن من صريح المعنى، قال بشر المريسي: دخلت على بعض أصدقائي، فقلت: مر جاريتك تسقني نبيذا، فقال: أخاف أن تأتمر، ثم قال: إسقيه، فلما شربت، قال: تفكرت في أمرك فرأيت النبيذ يزيل العقل ولم أجد لك عقلا أخاف أن يزيله، قال شاعر:

سآلة للفتى ما ليس في يده ... ذهّابة بعقول القوم والمال

وقال المحكم بن هشام لابنه، وكان مولعا بالشراب: يا بني، دع الشراب فإنما هو قيء في شدقك وسلح على عقبك أو حدّ في ظهرك.

من تركها تفاديا من ذمّ الناس

قال بعضهم: تركت كثيره لله تعالى إجلالا وقليله للناس جمالا. وعوتب بعضهم على تركه، فقال: لو علمت أن الماء ينقص من مروءتي ما ذقته. قال الوليد للحجاج: هل لك في الشراب؟ فقال: لا يا أمير المؤمنين وليس بحرام ما أحللته، ولكني أمنع أهل عملي منه وأخاف أن أخالف قول العبد الصالح، وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، فأعفاه.

وسأل المنصور أبا بكر الهذلي عن النبيذ، فقال: تمادت فيه السفهاء حتى كرهته العلماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>