للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخل أبو العيناء على المتوكل فقال: هل لك في الشراب؟ فقال: ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلا من سفه نفسه.

وكان أبو نواس يقول: خمر الدنيا أجود من خمر الآخرة، والله قد وصفها بأنها لذة للشاربين، فقيل: كيف هي أجود، قال: لأن الله تعالى جعلها نموذجا، والنموذج أبدا أجود. وقيل له: أتشرب الخمر؟ قال: نعم إذا اشترى بثمن خنزير قد سرق حتى يحرم ثلاث مرات.

قيل لثمامة: لا تشرب الخمر فإنه يزيل العقل، فقال: إنه إن زال اليوم لا يزول غدا.

باع بعض الاشراف ضيعة، فقيل له: إحضر العشية للإشهاد، فقال لو كنت ممّن يصان بالعشيات لما بعت الضيعة.

وقال رجل لآخر: وجهت إليك رسولا عشية أمس فلم يجدك، فقال: هذا وقت لا أكاد أجد فيه نفسي. سئل بعضهم عن استطابة الشراب، فقال: وددت أني كنت بعوضة فأموت تحت قربة نبيذ، حتى يكون موتى في خلال نعيم. قال شاعر:

ورفض امرىء لهوا يواتيه طائعا ... لآخر إن عاصاه رأي موهم

ومن صارم اللذّات أو خان بعضها ... ليرغم دهرا ساءه فهو أرغم

وقد وصف ذلك في وصف المدام بإزالته الغموم.

الشّارب بعد توبته والممتنع من التّوبة عنه

كتب بعضهم إلى صديق، قد تاب من شرب النبيذ:

إن كنت تبت من الصهباء تتركها ... نسكا فما تبت من بر وإحسان

تب راشدا واسقنا منها وإن عذلوا ... فيما فعلت فقل ما تاب إخواني

وقال كشاجم:

يقولون تب والكاس في كفّ أغيد ... وصوت المثاني والمثالث عالي «١»

فقلت لهم لو كنت أضمرت توبة ... وعاينت هذا في المنام بدا لي

وحكى بعضهم، قال: كان لنا صديق يكثر التوبة من الشرب والعود إليه، ففارقنا يوما على أنه قد تاب فجاءنا صبيحة غداة وقد انمحت من أحد عارضيه لحيته، فقال: رأيت إبليس في منامي وهو يستعرض أصحابه فأتى به إليه بعض أعوانه، وقال قد آذاني هذا المتخلف من كثرة ما يتوب، ثم يرجع. حلّفوه على أن لا يتوب فحلفت، ثم قال: ألحسوا لحيته من جانب يكون ذلك تذكرة معه، فأصبحت على تلك الحالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>