للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: العزلة توفر العرض وتستر الفاقة، وترفع ثقل المكافأة. وقيل: ما احتنك أحد قطّ إلا أحبّ الخلوة.

وقيل توحّد ما أمكنك فمن وطئته الأعين وطئته الأرجل.

وقال حكيم: العاقل مستوحش من زمانه منفرد عن إخوانه. وقيل: استوحش من النّاس كما تستوحش من السبع.

وقال الجنيد دخلت على السري فقلت أوصني فقال: لا تكن مصاحبا للأشرار ولا تشتغل عن الله بمجالسة الأخيار.

وقيل لذي النون رحمه الله: متى أقوى على عزلة الأخيار؟ فقال: إذا قويت على عزلة النفس. قيل: ومتى يصح الزهد؟ قال: إذا كنت زاهدا في نفسك هاربا من جميع ما يشغلك.

[من أنس في الخلوة بالعبادة والقراءة]

قال حاتم الأصم: إلزم بيتك فإذا أردت الصاحب فالله يكفيك، وإن أردت الرفيق فرفيقاك رقيباك، وأن أردت أنيسا فالقرآن يؤنسك، وذكر الموت يعظك:

تركت الأنس بالأنس ... فما في الأنس من أنس

وأقبلت على القرآ ... ن درسا أيّما درس

عسى يؤنسني ذاك ... إذا استوحشت في رمسي

ذمّ الخلوة والوحدة

قيل: أجهل الناس من استأنس بالوحدة واستكثر من الخلوة. وقيل: إيّاكم والعزلة فإن في ملاقاة الناس معتبرا نافعا ومتعظا واسعا، فإن البيت رمس ما لزمته.

وحدة الإنسان خير ... من جليس السوء عنده

وجليس الخير خير ... من جلوس المرء وحده

وفي الحديث: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس.

الشكوى من ذهاب النّاس

دخل عبيد الله بن شبرمة على معاوية وقد أتت عليه مائتان وعشرون سنة، فقال له: يا عبيد ما شهدت من الزمان وما أدركت؟ فقال: أدركت الناس يقولون ذهب الناس ذهب الناس فلا مرتع ولا مفزع، وقيل ما بقي من الناس إلا كلب نابح أو حمار رامح أو أخ فاضح.

وكانت عائشة تنشد قول لبيد:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلد كجلد الأجرب

<<  <  ج: ص:  >  >>